كان حمد بن خليفة منذ ولايته للعهد مسكونا بهاجس السلطة والهيمنة، ووجد التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في هذا الشيخ الطامح المندفع أداة لتحقيق حلمه، بعد سنوات طويلة من العمل السري والسجون والمحاكمات، منذ أن حل عبدالناصر الجماعة في عام 1954 وبدأت التفاهمات والعمل منذ ذلك الوقت. بعد أن دخلت إيران على الخط لاشتراكها معهما في الأهداف.

أهداف التحالف الثلاثي
تعميم الفكر الجهادي الحزبي الأممي «إخواني».

السيطرة على البحرين والكويت والإمارات «مشترك»

تصدير الثورة «إيران»

إضعاف السعودية وإثارة الفوضى فيها «إيراني»

السيطرة على الحكم في السعودية من خلال الفرع السعودي «إخواني»

 

عند أي خلاف خليجي مع قطر أو حتى انتقاد لسياساتها تظفر ردود الأفعال على وسائط الإعلام الإلكترونية بحجم لا يقارن بأي خلاف آخر، ويمكن تصنيفها إلى أربع شرائح:
الأولى: المؤدلجون، وهم الذين اتخذوا الهجوم على السعودية ومصر والبحرين والإمارات وأحيانا الأردن رسالة لهم وهدفاً، والدفاع عن قطر عقيدة ومنهجاً، ويدخل في هذه الشريحة أعضاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أو الدولي كما يطلق عليه البعض، وإخوان مصر والكويت والإمارات واليمن، ومن انكشف من إخوان السعودية أيام نشوة الفرح بوصول مرسي إلى السلطة، وكذلك من أعلن عدم علاقته بهم، أو أنها مرحلة تجاوزوها، ولكن تعرفهم دائماً في لحن القول، وإن خالها تخفى على الناس تعلم.
الشريحة الثانية: هم المغرضون الذين لا يجدون سبيلا للفتنة ضد السعودية والبحرين إلا احتطبوا فيها، ومن هؤلاء مسيسو الشيعة والمؤمنون بولاية الولي الفقيه لأغراض سياسية وطائفية ومذهبية، وأفراد اتخذوا المعارضة سبيلاً للفتنة والتهييج، لأغراض منها التكسب السياسي أو المالي أو الظهور بمظهر المناضل السياسي، أو انسياقاً وراء حلم المعارضة السياسية في الستينات الميلادية.
الشريحة الثالثة: المشفقون العاطفيون، وهؤلاء أناس صادقون في مشاعرهم وردود أفعالهم تسيرهم أحاسيسهم بوحدة الدم الخليجي والأرض والمصير، وتحكمهم شيم المروءة في أن لا ينال الأخ من أخيه ولا يظلمه ولا يسيء إليه ولا يكيد له أو يغدر به أو يكذب عليه، ويدمي قلوبهم هذا الخلاف والانشطار في البيت الخليجي ويرون فيه إسفافاً أو فجوراً أو بروباغندا، ويتأثرون بشعارات براقة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبلها العذاب، تنتجها ماكينات إعلامية منظمة بأقنعة محلية أو أجنبية أو وهمية.
الشريحة الرابعة: أفراد يقدمون أنفسهم على أنهم النخبة المثقفة والأنتلجنسيا السياسية، يحرصون دائماً على الظهور بمظهر العالم ببواطن الأمور، مرتدين عباءة البابا، ومقدمين النصح بفوقية واستعلاء، ذاكرتهم السياسية ضعيفة أو تتغابى، يمتدون من أقصى يمين التشدد الديني إلى أقصى يسار الليبرالية، وهم أكثر مرونة وذكاء في تمرير أفكارهم وتغريداتهم، وأكثر جبناً في ذكر آرائهم ومواقفهم صراحة.
وحديثي هنا موجه للشريحة الثالثة فقط لأن الحديث مع بقية الشرائح عبث، فلديهم قناعاتهم وأجنداتهم وحتى مصالحهم، وهو حديث لا يرتدي ثوب المصلح ولا عباءة الواعظ أو لباس الأستاذية، ولكنها حقائق معلومة، بعضها للعموم وبعضها للخاصة، وكنت على صلة ببعضها في الجانب الإعلامي حضوراً أو مشاركة أو مشاهدة.

01 قطر الدولة والطموح

هناك دول صغيرة المساحة كبيرة الطموح استطاعت أن تتخذ لنفسها خطاً عرفت به، وأصبحت مؤثرة على النطاق العالمي، فالإمارات بمساحة (86) ألف كم مربع أصبحت أهم الدول الاستثمارية والسياحية، وسويسرا (41 ألفا) دولة مالية مصرفية وسياحية، وسنغافورة (719 ألفا) دولة اقتصادية، وموناكو (ألفان فقط) صاحبة الناتج الأعلى في العالم للفرد، وكان يمكن لقطر (11 ألفاً) أن تكون مثل هذه الدول أو أفضل لو أنها اختطت لنفسها خطاً مفيداً لها وللعالم، ولكن القادة في قطر رأوا أن الخط الجديد لن يكون استثمارا أو اقتصادا أو تنمية، ولكنه مشروع سياسي يعتمد على الهيمنة.

02 قطر والإخوان المخ والعضلات

كان ولي العهد حمد بن خليفة مسكونا بهاجس السلطة والهيمنة، ولأنه يرى أن مساحة قطر الرملية الصغيرة لا تشبع طموحاته التوسعية الكبيرة ويحتاج إلى نموذج يحتذيه ليحقق حلمه، وأقرب نموذج له هو تأسيس المملكة العربية السعودية، ولكنه كان يضيق صدره عندما يتذكر معجزة الملك عبدالعزيز فوق الرمال عندما انطلق من الكويت ووحد الجزيرة وأسس الدولة السعودية الثالثة، لأنه يدرك أنه لا الإمكانات الشخصية له ولا الظروف الجيوسياسية ولا المخزون الشعبي تمكنه من تحقيق ذلك، ثم وجد بعد ذلك التجربة الناجحة لتأسيس الدولة السعودية الأولى عندما تعاضد الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب ورأى أن هذا هو النموذج الأنسب لتحقيقه، ولذلك بدأ يشعر بالحقد على المملكة التي أسسها عبدالعزيز ووضع في ذهنه ضرورة العمل لإسقاطها وتقسيمها، وهذا ما يفسر التسجيلات المسربة له ولقناة الجزيرة ضد القيادة السعودية، ويفسر في الوقت نفسه محاولة إلصاق نسبه بذرية الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأنه الجد السادس عشر له، ولأنه لا يملك قدرات الملك عبدالعزيز ولا القيمة الدينية والعلمية للشيخ محمد بن عبدالوهاب وجد في يوسف القرضاوي الشخصية التي يمكن أن يكون معها الثنائي الذي يحقق طموحاته التوسعية.

الإخوان المسلمون المسكونون بحلم إنشاء دولتهم العالمية وجدوا مجموعة من المؤشرات في الدول التي يمكن لو جمعت قطع الأحجية كان بالإمكان أن تصنع منها خريطة الخلافة، ففي الشمال تركيا وتحتها إخوان سورية الذين ظهروا بشكل فاعل في الثورة السورية 2011 وتحتهما حركة حماس وإخوان الأردن، ومصر بطبيعة الحال قاعدة عملهم وكذلك ليبيا، ومتى ما تجمعت هذه القطع حركوا إخوان الكويت والإمارات والسعودية واليمن.
ووجد التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في هذا الشيخ الطامح المندفع أداة لتحقيق حلمه بعد سنوات طويلة من العمل السري والسجون والمحاكمات، وكان توجه الإخوان في تلك الفترة الاستثمار في التجارة عبر أعضائهم، ليكونوا مجرد واجهات يتم من خلالهم تنمية الأموال وتحريكها وجذب التبرعات والتمويل، وكذلك الصرف على أنشطة الجماعة السرية، وأصبح لديهم دور نشر وشركات إنتاج إعلامي ومحلات تجزئة ووكالات خاصة بهم، ومن جهة أخرى دفعت الجماعة بأعضائها في دول الخليج وغيرها ليكونوا في مفاصل الدولة والهيئات والجمعيات الخيرية ذات الطابع المحلي أو العالمي، وكانت قطر في ذلك الوقت قد بدأت في فتح باب الاستثمار على مصراعيه بعد تدفق الأموال نتيجة اكتشافات الغاز، وكان يمكن أن تتلاقى الرغبتان في الاستثمار والتجارة بين القيادة الحاكمة والإخوان، كما تمت في أماكن عديدة دون أن تخرج عن هذا الإطار وبصرف النظر عن الفكر الأيديولوجي والواجهات التي يستخدمونها.

03 تلاقت الرغبتان

تلاقت الرغبتان؛ ظمأ الشيخ حمد للسلطة وعجلته لتحقيق ذلك، وظمأ الإخوان للسلطة منذ أن حل عبدالناصر الجماعة في عام 1954 واعتقل قادتها وأعدم بعضهم، وبدأت التفاهمات والعمل منذ ذلك الوقت، وحيث إن معادلة المخ والعضلات لعادل إمام وسعيد صالح لم تعد صالحة في الحالة القطرية، فتعدلت إلى أن يكون الإخوان هم المخ، وحمد هو الأداة والتمويل، والعضلات هي القنوات التلفزيونية والصحف ومراكز الدراسات والبحوث ومراكز التدريب، والجمعيات التي تؤسسها قطر بإشراف الإخوان، أو التي يتم شراؤها قانونيا أو بالدعم المالي والولاءات.
ظمأ حمد بن خليفة والإخوان للسلطة صبغ تحركاتهم بالعجلة، فلم يكتف ولي العهد الطامع بتحريك بعض الملفات وإنما قام بخلع والده وتولي حكم البلاد عام 1995، وكون مع وزير خارجيته حمد بن جاسم بن جبر بما يملكه من دهاء وحضور وطلاقة ثنائيا قطريا، وفي المقابل قدم الإخوان الشيخ يوسف القرضاوي واجهة لهم ومفتيا للمتحالفين، بما يتميز به من سمعة دينية وقدرة وعظية ودعوية إلى جانب هدوئه ووداعته وعلاقاته الكبيرة، بينما يعمل المخططون والمنظرون من خلفه، فالقرضاوي ليس بدهاء حسن الترابي وفكره وحركيته في السودان ولا راشد الغنوشي في تونس، مثلما كان محمد بديع المرشد العام للجماعة في الواجهة، وفي الخلف خيرت الشاطر ومحمد البلتاجي، وبدأ العمل منذ ذلك الوقت على أن تكون قطر ممسكة بزمام التغيير في دول الخليج والدول العربية عن طريق إثارة الفوضى والقلاقل، وتكون هي الراعية لها، وبالتالي يصل إلى السلطة أشخاص مرتبطون بها أو في أضعف الأحوال إضعافها بالاضطرابات، وتحديدا في البحرين والسعودية والإمارات والكويت خليجيا ومصر والأردن وسورية وتونس والمغرب وموريتانيا عربيا. واستخدم الإخوان قطر قاعدة لانطلاقهم لتوفر المال والكيان السياسي وسلطة الرجل الواحد، فيما استخدمت قطر الإخوان لوجود شبكتها الكبيرة المتغلغلة بخبرات وأسماء عالية، وكلا الطرفين يعلمان أنها يستخدمان بعضهما في علاقة أشبه بالزواج الكاثوليكي.

04 إشباع جنون العظمة

كان من بين العضلات التي استخدمتها قطر في تلك الفترة الرئيس الليبي معمر القذافي، والمفتاح سهل يكفي أن يرضي حمد معمراً بالتضخيم للزعيم القائد وإطلاعه على الأهداف المشتركة ضد الملكيات العربية ومصر، وإشباع جنون العظمة فيه، ومتى ما انتفت الحاجة إليه انقبلوا عليه كعادتهم، ففي قمة الجزائر 2005 عندما بدأ الزعماء يصلون تباعاً إلى مقر القمة جاء القذافي وحمد في سيارة واحدة خضراء، ووقفت السيارة ولم ينزل الزعيمان، فيما اصطفت سيارات الزعماء ومراقبيهم خلفهم مئات الأمتار بانتظار نزول معمر وحمد اللذين بقيا في السيارة نحو 10 دقائق دون أن يهتما بالآخرين، فيما قامت مجندات القذافي المسلحات ببسط سيطرتهن على المدخل حتى لا يتدخل الحرس الرئاسي الجزائري والمراسم، ولعل مقطع المحادثة المسرب بين القذافي والحمدان ابن خليفة وابن جاسم حول الكيد للسعودية يوضح حقيقة ذلك.

05 إيران على خط الإخوان قطر

الذين تعاملوا مع المسؤولين الإيرانيين يعرفون قدرتهم على الجدل والمماطلة والنفس الطويل والتخطيط للشر، لذلك وجد الإيرانيون ضالتهم في هذا التحالف القطري والإخواني، ووجدوا أن هناك منطلقات وأهداف مشتركة بينهم منها:

01 تصدير الثورة (إيران).

02 تعميم الفكر الجهادي الحزبي الأممي (إخواني).

03 السيطرة على البحرين والكويت والإمارات (مشترك).

04 إضعاف السعودية وإثارة الفوضى فيها (إيراني).

05 السيطرة على الحكم في السعودية من خلال الفرع السعودي (إخواني).

06 استخدام الأذرع المشتركة (حزب الله، حماس).

07 استخدام حزب الله الحجاز، متطرفو شيعة القطيف في السعودية (إيراني).

08 استخدام عناصر الإخوان المتغلغلة في السعودية خاصة السرورية (إخواني).

ووجد المتحالفون الثلاثة أن هناك متنافرات قد تؤثر ظاهريا على هذا التحالف أمام الناس وخاصة ما يتعلق بالخلاف السني الشيعي، ولحل هذه الإشكالية قام الإخوان بعدة خطوات منها:

أولاً:

التقارب المصري الإيراني في تصريحات مرسي أيام الانتخابات المصرية حين اعتبر إيران شريكاً (في المنطقة) وليس شريكاً في العلاقات التجارية مثلاً، وكانت أول زيارة لرئيس مصري لإيران بعد ثورة الخميني هي زيارة مرسي لطهران في 2012 بعد توليه السلطة.

ثانياً:

على المستوى الشعبي قام القرضاوي بتأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004، وجعل نائبه العلامة عبدالله بن بيه (سني)، ونائبه محمد واعظ زاده الخراساني عن إيران، وقام عبدالله بن بيه بالاستقالة من الاتحاد، وهو وإن لم يوضح صراحة سبب الاستقالة فإنه أرسله إلى الأمين العام على قره داغي ولم يرسله إلى القرضاوي، وطلب فيه من الأمين إبلاغ القرضاوي مع أنه هو نائب الرئيس.