صالح القلاب 

ربما أنّ هذا يتردّد عن غير قصد، فوصف المشكلة مع قطر بأنها مشكلة خليجية وفقط، يبتعد كثيراً عن حقائق الأمور... ثمّ وحتى إن نحن أخذنا بهذا الافتراض وبوجهة النظر هذه، إنْ من قبيل المجاملة، وإنْ من قبيل اعتبار أن الجزء ينطبق على الكل، وأنَّ ما ينطبق على الأشقاء الخليجيين كلهم أو بعضهم ينطبق على العرب المعنيين جميعهم، فإن إعلان الحكومة القطرية، عن أنها «مستعدة لتفهم حقيقة هواجس وشواغل جيرانها» هو تهرّب واضح من الاعتراف بالواقع وبحقائق الأمور، فالمشكلة ليست مشكلة هواجس وشواغل فقط، إنها مشكلة مستمسكات ثابتة وصحيحة ومؤكدة، وهي باتت معروفة ولا يمكن إنكارها أو التهرب منها.
إنّ ما بين قطر وليس بعض الدول الخليجية فقط، وإنما غالبية العرب، إن ليس كلهم، هو ليس مجرد «هواجس» ولا عبارة عن «شواغل» إنه حقائق ملموسة وواضحة وليس هناك دليل واحد بل مئات وألوف الأدلة والمستمسكات على أن حكومة هذه الإمارة الشقيقة، متورطة فعلاً وعن سابق تصميم وإصرار في دعم مبكر للإرهاب وأنها «استضافت» وهي لا تزال «تستضيف» حركة «طالبان» الأفغانية وعدداً من قيادات «الإخوان المسلمين»، وهذا بالإضافة إلى مساندة وتمويل تنظيم «النصرة» الذي هو «القاعدة» والذي أصبح اسمه «جفش» وأيضاً مساندة ودعم كل القوى الإرهابية في ليبيا، وكل هذا بالإضافة إلى قيادة حركة «حماس» التي اعتبرت مؤخراً دولياً وربما عربياً بأنها حركة إرهابية.
إنه «توصيف» غير دقيق بل هو غير صحيح أن يعتبر كل هذا الذي قامت وتقوم به قطر، مجرد «مشكلة خليجية»... إنه مشكلة عربية كبرى، وإلاّ ما معنى أن تحتضن هذه الإمارة الكثير من قيادات الإخوان المسلمين المصريين وكل التنظيمات الإرهابية الليبية، وهذا بالإضافة لـ«داعش» و«القاعدة» و«طالبان» الأفغانية التي هي الحضن الذي تربت وترعرت فيه «القاعدة» وعشرات بل مئات التنظيمات التي تسمي نفسها «جهادية»، والتي نقلت عدوى سفك الدماء البريئة إلى كثير من الدول العربية والدول الإسلامية... وأيضاً إلى معظم الدول الغربية.
وهنا فإن إثبات أن المشكلة مع قطر، هي مشكلة عربية وليس مجرد مشكلة خليجية وفقط فإنه علينا أن نبدأ بالمملكة الأردنية الهاشمية فالمعروف أن الحكومة القطرية، وهذا كان في عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جاسم آل ثاني، كانت قد احتضنت حركة «حماس» على اعتبار أنها جزء من الإخوان المسلمين وتابعة تبعية مباشرة لتنظيمهم العالمي، وحاولت فرضها على الأردن بالقوة بهدف زعزعة الأمن الأردني، وخلق كيان مسلح داخل الكيان الأردني ودولة داخل الدولة، وإثارة النعرة الإقليمية بين الأردنيين وبين من هم من أصول فلسطينية، وكان هذا في فترة كان فيها جمر ما يسمى: «الربيع العربي» يتوهج تحت الرماد في كثير من الدول العربية.
كان الأردن، وبمبادرة من الملك حسين، رحمه الله، قد أقنع الأميركيين باستعداده لاستقبال واستضافة موسى أبو مرزوق الذي كان رئيسا للمكتب السياسي لحركة «حماس» والذي كان معتقلاً في الولايات المتحدة، وكان الأردن قد أنقذ خالد مشعل من الموت بعد محاولة اغتياله من قبل «الموساد» الإسرائيلي في عام 1997، وكانت قيادة حركة «حماس» بمعظمها إن ليس كلها تقيم في عمان، وكان الشرط الأردني أولاً ألاّ تتدخل هذه الحركة في الشؤون الداخلية الأردنية، وثانياً ألا تقوم بأي عمليات عسكرية انطلاقاً من الأراضي الأردنية.
لكن وخلافاً لهذا كله فإن «حماس»، بعد احتضان قطر لها قد أخذت تتصرف وتعمل بالسر وبالعلن على أنها دولة داخل الدولة، ولذلك فقد كان لا بدّ مما ليس منه بد، وبخاصة بعدما أصبح هدف فضائية «الجزيرة» القطرية تفجير الساحة الأردنية، وهنا فإن المعروف أن وزير الدولة القطري أحمد بن عبد الله آل محمود قد جاء إلى عمان بطائرة خاصة ليأخذ خالد مشعل ومعه إبراهيم غوشة وسامي خاطر وعزت الرشق معه إلى الدوحة، وذلك بعد أن رفض هؤلاء الالتزام بشروط الأردن الآنفة الذكر، وفضلوا الذهاب للإقامة في العاصمة القطرية.
وحقيقة أن قطر لم تتوقف عند هذا الحد فهي بقيت تُسخر فضائية «الجزيرة» لزعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في الأردن، وهي بقيت تحاول فرض قيادة «حماس» على الأردنيين بالقوة وهي في فترة لاحقة بعد بدء ما يسمى «الربيع العربي» ووصول «الإخوان» المصريين إلى الحكم أصبح همها الأول نقل ما جرى في مصر إلى الأردن، وإغراق هذا البلد في الفوضى المدمرة، وحقيقة أن هذا كله كان بالإمكان أن يحدث لولا الحكمة التي تصرفت بها القيادة الأردنية، ولولا التفاف الأردنيين حول هذه القيادة، وأيضاً يجب أن يقال إن بروز جناح معتدل في «الإخوان» الأردنيين كان له دور لا بد من الاعتراف به في كبح جماح المجموعة الأكثر تطرفاً في هذه الجماعة الإخوانية.
لقد بات مؤكداً ومعروفاً ولا يمكن إنكاره أن قطر قد بادرت إلى مزيد من احتضان «الإخوان المسلمين» بعد إسقاط نظامهم في مصر، وأنها قد دعمت ولا تزال تدعم كل هذا الإرهاب الذي تعرضت ولا تزال تتعرض له الدولة المصرية التي يعتبر صمودها صموداً للعرب كلهم، وبخاصة في هذه المرحلة التي تعتبر أخطر مرحلة تمر بها الأمة العربية.
ثم وكيف من الممكن ألا تعتبر المشكلة مع قطر ليست خليجية وفقط وإنما أيضاً عربية، ما دام أن الحكومة القطرية قد واصلت احتضان الإرهابيين ودعمهم إن في مصر، وإن في ليبيا، وإن في تونس، وإن في اليمن، وإن في السودان... وبالطبع إن في سوريا والعراق ولبنان... وحقيقة وإنْ في كل مكان!
إنه لا شك في أن هذه الـ«قطر» قد استهدفت وبقيت تستهدف المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، وأن كل محاولات استيعابها في مجلس التعاون الخليجي لم تفلح إطلاقاً، لكن وفوق هذا فإن هذه المشكلة إن سابقاً وإن لاحقاً هي مشكلة عربية - قطرية وليست مشكلة قطرية - خليجية وفقط، إذ إن الدوحة حتى الآن، لا تزال تستضيف وعلى الرحب والسعة حركة «طالبان» الأفغانية والشيخ يوسف القرضاوي، والكثير من القيادات الإخوانية وخالد مشعل والكثير من قادة «حماس»، وهذا بالإضافة إلى عدد كبير من قادة ورموز كثير من التنظيمات الإرهابية الليبية والسورية واليمنية... والتونسية.
إنه غير صحيح أن قطر لا تتدخل ولم تتدخل في الشؤون العربية الداخلية، فالمعروف أنها هي من أحبط اتفاق مكة المكرمة بين حركة «فتح» وحركة «حماس» الذي كان رعاه في عام 2007 الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، وأنها هي التي وقفت وراء انقلاب حركة المقاومة الإسلامية العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير في هذا العام نفسه، وأيضاً فإنها هي التي بقيت تحول دون تفاهم الفلسطينيين مع بعضهم بعضا.
وأيضاً فإنه غير صحيح أن قطر لا تتدخل ولم تتدخل في الشؤون العربية الداخلية، فهي بالإضافة إلى تدخلها السافر الآنف الذكر في الشؤون الداخلية الأردنية والفلسطينية قد استهدفت المملكة العربية السعودية أكثر من مرة، واستهدفت الإمارات والبحرين واليمن وتونس والسودان... وحقيقة أنها استهدفت الدول العربية كلها.. بما في ذلك الجزائر حيث «استضافت» وفي لحظة تاريخية صعبة زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ الـ«فيس» الشيخ عباس مدني، وقدمت دعماً مؤكداً لـ«الجماعة الإسلامية المسلحة» التي ارتكبت مجازر إبادة فعلية بحق حتى القرويين في كثير من المناطق الجزائرية.