عبدالله العوضي 

 زايد.. رحمك الله رحمة واسعة، نِعم الوالد نفتقد بلاغة حِكمَك في أيام «الربيع» الحالكة، ذات الآثار الهالكة، صدِّقنا إن بُحنا لك أننا نستمع إليك كل يوم عبر «إذاعة زايد للقرآن الكريم» من الفجيرة وكأنك تتحدث إلينا في التو إذ تقول للشباب إننا لا نريد بدل «الدعم، دم» وللفتيات: اعملن من أجل مساعدة أزواجكن، فإن راتب الستة آلاف والثمانية آلاف لا يكوّن بيت الزوجية السعيدة، وللوزراء في عهد التأسيس: من يجلس منكم في مكتبه أكثر من ساعة يعتبر وزيراً فاشلاً، فالوزير الناجح هو الذي يتابع المشاريع في الميدان بنفسه.

ولا ننسى قصة المسؤول الذي أهمل واجبات تمديد المياه والكهرباء إلى الناس المحتاجة، وقد اكتشفت بنفسك أمره ونبّهته ولم يدّكر، فأجلسته في داره واستبدلته بمن هو خير لوطنه.

تمر ذكراك وقد كنت تعالج مشاكل الأمة العربية والإسلامية بلفتة حكيمة منك، قلت لصدام: اترك شعبك ولا تقتلهم واختر من قصوري ما أحببت واسكن أنت وأهلك عندي على الرحب والسعة، فلم يسمع لصوت العقل والحكمة فضاع العراق وخرج من أيدي العرب وسقط بأيدي الفرس وانتهى صدام بالإعدام.

لقد غاب جسدك، لكن حكمتك ما زالت تشعل فينا جذوة الحق وعزة الدين السليم وليس ما جرى عليه من تغيير بأيدي «الداعشيين» اللئام.

صافحتك يوماً وأنا في ريعان الشباب وما زال دفء كفيك يلامس قلبي، أُخبر بذلك كل من ألقاه إلى ساعة الرحيل، طلبنا منك في ذاك اللقاء المهيب شيئاً واحداً في أوائل السبعينيات، فلبّيت لنا كل ما ذكرناه وما لم نذكره بكلمة واحدة ومختصرة «تم»، وهي التي اتخذها نجلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نهجاً لإدارة الدولة وتقديم الخدمات للناس بسهولة وأريحية ويسر.

كنت تكافئنا عندما كنا أول دفعة بجامعة الإمارات شهرياً، وعند كل بادرة تفوق في الدرجات، فهذا أمر لا يُنسى لأنه حُفِر في الذاكرة، وحفّزتَ الهمم لكي تسابق همتك لعلها تصل إلى ذراها عندك.

عزاؤنا، رحمك الله، أنك بوجداننا في ازدياد وفي قلوبنا لا تفارقها لحظةً، فأنت حي فينا.

كدنا ننسى طريقك، بسبب ما حل بالخليج من أزمة قطرية، غمّت علينا من حيث لم نحتسب، ولكن قدّر رب العالمين أن تكون منطقتنا في وجه الأزمات، لكنها ما زالت تدار ببركات حكمك التي أورثتها أنجالك الشرفاء وأولادك النجباء، وبنيك النبلاء الذين يقودون سفينة الاتحاد من بعدك في بحر إقليمي وعالمي متلاطم الأمواج، إلا أنها ماضية في اختراق عبابه عبر أثير حِكمك السارية، «البيت المتوحد» كما أصلها وقالها «بو خالد».

نعتذر إليك عن تقصيرنا في موافاة جزء من حقك فضلاً عن كله، وعجزنا عن اللحاق بما اتصفت به من تألق وشموخ وعلو همّة وعذوبة سليقة وكرم سجية.

سألك أحد الصحفيين عندما اشتد بك المرض عما بعدك وارتبك أن يواجهك صراحة، فقد كنت أشجع في مبادرتك بالإجابة عنه، بل إلقاء السؤال بدلاً عنه؛ كلنا راحلون وهذه سنّة الحياة، ولا تخافوا على هذه الدولة من بعدي، فقد رتّبت شؤونها كلها، فخليفة ومحمد وسلطان وهزاع وعبدالله وسيف، وإخوانهم الكرام وبقية قادة إمارات الدولة يقومون بالواجب تجاه دولتهم وزيادة.

رحلت عنا ونحن مطمئنون بأن «بوسلطان» أهل للقيادة وذو شأن، حتى قاد عهد التمكين بجدارة وائتمان. صدقت يا بو خليفة، لقد ذكرت عن نفسك في إحدى المقابلات الإذاعية عمّن يمثلون قدوة لك وقاموا على تربيتك، فذكرت أولاً سيد البشر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالدتك ثانياً، والمتنبي ثالثاً. هكذا جُمِعَت فيك أسرار التربية الحسنة منذ نعومة أظافرك، فها نحن اليوم نعيش السعادة والسماحة في ظل ما شيّدته، غفر الله لك يا زايد الخير، وفي عام الخير.