سمير عطا الله 

وُضعت مئات (وربما ألوف) الكتب عن اتفاقات سايكس - بيكو، التي بموجبها تم تقاسم الإرث العثماني بين الفرنسيين والبريطانيين. ومع أننا نحن موضوعها، فإن المؤلفات العربية كانت قليلة، والكثير من هذا القليل، كان إنشائياً خطابياً، وعلى طريقة عمرو بن كلثوم، التي لا تزال سيدة الطرق.
أحد أهم وأجمل المؤلفات، حول المسألة كان كتاب ديفيد فرومكين «سلام من أجل إنهاء كل سلام»، الذي يغطي أحداث «سنوات التكوين» ما بين 1912 و1922، أي العقد الذي قام خلاله ما كان يومها الشرق الأوسط الجديد، والذي أصبح اليوم الشرق الأوسط البالي المبتلي والمبلى بلاء غير حسن.
سمي فرومكين «المؤرخ العظيم للحرب العظمى». ومع أنه وضع مؤلفين آخرين حول الشرق الأوسط، فقد كان هذا الأكثر جمالاً وجاذبية وأهمية. وفي مهارة لا تكرر كثيراً، خلط الوثيقة بالحكاية باللمحة. ولاحظ فرومكين كيف أن كثيراً من نتائج الاتفاقات والخرائط بنيت على أخطاء المترجمين البسطاء.
غاب فرومكين قبل أيام عن 83 عاماً، قضى معظمها في العيش على طريقة تشرشل: الأفخم في كل ما لذ وطاب. وكان أحياناً يوصي على وجبة شهية من أوروبا، متكلاً على عائدات كتبه، وخصوصاً «سلام» الذي لا يزال إلى اليوم على لوائح المبيعات الكبرى.
الحقبة التي يبدأ فرومكين بتأريخها هي بداية الشقاء والحروب. ويتذكر ما قاله المؤرخ البريطاني أ. ج. ب تايلور أنه حتى أغسطس (آب) 1914، كان في إمكان أي إنجليزي محترم أن يعيش حياته من دون أن يلاحظ وجود الدولة... كان في إمكانه أن يعيش في أي مكان في أي وقت من دون أن يحمل هوية، أو حتى بطاقة.
وينقل فرومكين أيضاً في أسى عن الكاتب النمساوي ستيفان زفايك عن الحقبة نفسها أنها كانت «عصر الأمن الذهبي». كل شيء في الإمبراطورية النمساوية ظل يبدو طوال ألف عام وكأنه «باقٍ إلى الدهر». «الحرب العظمى» كما سميت الحرب الأولى، غيرت وجه العالم ومزاج البشر، ربما بلا عودة.
صدر «سلام» عام 1988، وتأتى له أن ينقل إلى العربية (دار رياض الريس للنشر)، بقلم الأستاذ أسعد إلياس، الأديب والمترجم والموسوعي. وكان يومها يعمل أيضاً في الدائرة الصحافية مع الرئيس حافظ الأسد.