حمد العامر

تمر منطقة الخليج العربي بأصعب مراحلها منذ قيام (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) والذي كانت من أهم أسباب تأسيسه حماية دوله واستقلالها من تداعيات الحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت في (سبتمبر 1980م)، ومواجهة مخاطر المد (البعثي العربي) في العراق وسوريا، و(القومي العربي) في مصر، و(الشيوعي) في اليمن، و(الثورة الخمينية) في طهران والتي لم تكن أهدافها معروفة وواضحة آنذاك.


لقد استطاع مجلس التعاون -وبفضل الحد الأدنى من التنسيق والاتفاقات التي تمت بين أعضائه- من الوقوف أمام (تسونامي التغيير) الذي أطاح بعدد من الأنظمة عام (2011م)، وقضى على نظرية الأمن القومي العربي بعد أن أصبحت جامعة الدول العربية أداة فاعلة في دعم الثورات في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وما أدت إليه من دمار وزعزعة الأمن والاستقرار ساهمت فيه بعض الدول العربية بما لديها من مال ووسائل حرب حديثة تمثلت في الفضائيات، خصوصًا قناة الجزيرة التي كان لها دور مهم وواضح في تأجيج فوضى الشارع العربي آنذاك ولم تسلم منها دول مجلس التعاون، وكانت سلاحا أشد فتكًا وتأثيرًا من الأسلحة والطائرات، ليكون هذا السلاح أحد أهم أسباب نجاح ثورات الربيع العربي، إلى جانب عدد من الأسباب يمكن اختصارها في النقاط الآتية:
1. ضعف البيت العربي نتيجة حالة الانقسامات والانقلابات العسكرية التي شهدها الوطن العربي مند الخمسينيات وعدم الاحساس بالمسوؤلية الوطنية بالتغيير والتعددية لدى القيادات السياسية في عدد من الدول العربية وتردي أوضاعها الداخلية، نتيجة عدم تاسيس نظم سياسية واقتصادية ومجتمعية تحكمها المؤسسات وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية شجع القوى الدولية والإقليمية للتدخل في شؤونه بذرائع وشعارات جديدة تختلف كلية عن الذرائع القديمة كالاستعمار المباشر ومعاهدات الصداقة والانقلابات العسكرية، فأصبحت شعارات حماية حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير هي الوسيلة الفاعلة لتحقيق الأهداف بعد تجاهل كل علاقات الصداقة التاريخية واستراتيجيات المصالح المشتركة بين الدول، ليصبح الالتزام بحقوق الإنسان هو المعيار الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الثنائية والدولية، لتستغل الدول الكبرى ذلك لتنفيذ أهدافها دون أن يكون للأمم المتحدة أي دور يذكر في حماية الدول العربية من التبعات الخطيرة للربيع العربي، لدرجة شكوى الأمين العام للأمم المتحدة السابق «بان كي مون» بأن بعض البيانات الصادرة عن مكتبه لم يطلع عليها ولم يقرأها!
2. استخدام قضايا حقوق الإنسان معيارا للعلاقات الثنائية بين الدول الكبرى والدول العربية، خصوصًا في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، واستغلالها للضغط على الدول لتنفيذ مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وليس أدل على ذلك من تعليق الإدارة الأمريكية لصفقة بيع عدد من الطائرات المقاتلة إلى مملكة البحرين بعد أن أبلغت الإدارة الأمريكية الكونجرس بأنها (لن تستكمل الموافقة على شراء البحرين ما يصل إلى (19) طائرة مقاتلة من طراز (F-16) حتى تحرز تقدما في ملف حقوق الإنسان وخوفًا من استخدامها ضد المتظاهرين!)، وذلك رغم العلاقات التاريخية بين البلدين ووجود قاعدة الأسطول البحري الخامس الأمريكي في المنامة منذ سبعينيات القرن الماضي، ورغم الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الخليجية المشتركة التي أشبعت بحثًا وتنظيرًا في اجتماعات الحوار الاستراتيجي الخليجي الأمريكي منذ سنوات ولم تصل حتى الآن إلى الاتفاق على منظومة الصواريخ الدفاعية الجماعية بدول مجلس التعاون في إطار الخطة الاستراتيجية الأمنية لمواجهة إيران!
3. تنسيق وتعاون بعض الدول العربية والإقليمية مع الإدارة الأمريكية السابقة لتنفيذ الخطة الهادفة لتغيير الأنظمة العربية والخليجية تدريجيا، وهي خطة (الفوضى الخلاقة) التي أعدتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس منذ (أبريل 2005م) لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) كردة فعل مباشرة لهجمات (سبتمبر 2001م) باستغلال شعارات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير بين صفوف الشباب العربي الذي تم إعداده للثورة على أنظمته القائمة عن طريق فوضى التحرك في الشوارع وتقديم الدعم اللازم لاستمرار ذلك.
4. الطموحات الإيرانية في الخليج العربي والبلاد العربية عموما، والتي تتضح من الممارسات الفعلية لتثبيت الأقدام في العراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة واليمن، ليتحقق في النهاية حلم (الهلال الشيعي) الذي أشار إليه الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية، والتصريحات المستمرة لكبار المسؤولين الإيرانيين كتصريح السيد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الذي صرح في (أغسطس 2012م) إلى قناة المنار وقال نصا: (الكويت تشكل عمقًا استراتيجيًا لن نتنازل عنه، وعلى دول الخليج الفارسي ألا تعرقل طموحات إيران العظمى، وإلا فإن العرب سينحسرون إلى مكة كما كانوا قبل 1500 عام)!
5. استخدام الطائفية كركنٍ أساسي لنجاح تنفيذ خطة (الفوضى الخلاقة) عبر إلغاء حالة التسامح والمودة القائمة بين أطياف المجتمعات العربية ودعم الإرهاب السني والشيعي المتطرف كما هو في تنظيم داعش السني وتنظيم الحشد الشعبي الشيعي وحزب الله الإرهابي. وهذا ما حدث في مصر بدعم الإخوان المسلمين، وفي دول الخليج بشحن المواطنين الشيعة والسنة إعلاميًا إلى جانب الانفاق الباذخ على البرامج الإخبارية الملفقة حول حقيقة ما يجري من أحداث، والأفلام الكاذبة المحرضة على الفتنة والانشقاق.
ومع تعاظم الأخطار المحدقة بالخليج العربي، وتنامي المشروع الإيراني الطائفي بعد نجاح الثورة الخمينية عام (1979م)، وتبني الدستور الإيراني لمبدأ (تصدير الثورة) ونظرية ولاية الفقيه، وتعزيز نفوذ إيران في المنطقة عبر شعارات حقوق الإنسان وحرية التعبير وادعاء المظلومية، وتدريبها للعناصر الإرهابية لزعزعة أمن واستقرار مملكة البحرين، وتسييسها لمواسم الحج بالتخطيط للحوادث الإرهابية والتخريبية وخلق الفوضى والاضطرابات السياسية والأمنية في المملكة العربية السعودية، وما قامت به من تصرفات خطيرة تجاوزت حدود اللياقة الدبلوماسية ليتحقق لها حلم قيام (الدولة الإسلامية الشيعية الكبرى) على امتداد الوطن العربي، يصبح لزاما على دول مجلس التعاون الوقوف وقفة مراجعة حقيقية خصوصًا بعد تفجر الوضع يوم (5 يونيو 2017م) بإعلان المملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية ودول أخرى قطع علاقاتها مع دولة قطر بسبب دعمها اللامحدود للإرهاب وكياناته المهددة لأمن واستقرار منطقة الخليج.
وحسبما أراه فإن حماية انجازات مجلس التعاون واستقلاله وكيانه من التدخلات والتهديدات الخارجية يتطلب:
أولاً: انهاء الازمة القائمة بين عدد من دول المجلس وقطر ووضع اسس جديدة للعلاقات الخليجية تقوم بالابتعاد عن المجاملات السياسية تماما، وتبني رؤية خليجية موحدة قابلة للتنفيد بالحد الأدنى المتفق عليه لسياسة دول المجلس تجاه دول الجوار الإقليمي، وتوحيد الخطاب السياسي الخليجي تجاه القضايا الدولية والإقليمية، وتحديد مصدر التهديد المشترك ووضعه فوق كل اعتبار، والاتفاق على إنشاء جهاز مختص في الأمانة العامة للمجلس تكون مهمته الأساسية تقديم الدعم والمساعدات المالية الخارجية.
ثانيًا: تفعيل (هيئة تسوية المنازعات) المنصوص عليها في المادة العاشرة من النظام الأساسي للمجلس، بهدف النظر في أية خلافات أو تجاوزات تقوم بها أي دولة عضو من دول المجلس في المجال الأمني أو السياسي أو الاقتصادي وغيرها.
ثالثًا: إعداد استراتيجية أمنية تقوم على أسس جديدة للعلاقات مع إيران وكيفية التعامل معها، بسبب استمرار تماديها بالتدخل في الشوؤن الداخلية لدول المجلس وتنصيب نفسها للشيعة العرب في الوطن العربي، ما كان له تأثير واضح على امتداد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا وفي عدد من العواصم العربية وحالة من عدم الاستقرار في بعض دول مجلس التعاون.
إذا لم يتمكن الحكماء من قادة دول المجلس في انهاء عاصفة الخامس من يونيه مع قطر وتداعياتها التى انعكست على الداخل الخليجي بشدة وتباين وتضارب ردود الفعل الامريكي بين البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية وعدم وضوح الموقف الاوروبي ودعم تركيا بشكل صريح لموقف قطر لدرجة ارسال قواتها العسكرية للدوحة فإنني غير متفائل باستمرار مجلس التعاون بشكله الحالي مما يشجع الدول الثلاث (السعودية /‏ الامارات /‏ البحرين) المتضررة من التصرفات القطرية من الاتفاق على قيام الاتحاد الخليجي المنشود.