جبريل العبيدي

تجربة سيف القذافي مع جماعات الإسلام السياسي وخداعهم إياه، يجب أن ينظر إليها كتجربة مستفادة من أن هذه التنظيمات لا تعترف بالتعايش السلمي والسلم المجتمعي، بل تشكل خطراً على السلم الدولي برمته، لأن هذه الجماعات لا تكف عن تصدير أفكارها المتطرفة وإعادة تدويرها، وممارسة التقية السياسية لتتمكن من تنفيذ مخططاتها حال تمكنها من ذلك، وليس لها حليف ولا تحالف تحترمه.

لذا فإن إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، يعتبر خطوة مهمة في اتجاه المصالحة الوطنية والتصالح مع أنصار أبيه، وتعتبر خطوة شجاعة من البرلمان الليبي بإصداره قانون العفو العام.

بإطلاق سراح سيف الإسلام تنفيذاً لحكم العفو العام يعيد الأضواء على ما حدث في فبراير (شباط) 2011 من تسلط الإسلاميين وسيطرتهم وخديعة الإخوان، حيث إنه هو من سعى إلى إطلاق سراح السجناء الإسلاميين من السجون الليبية رغم المعارضة الشديدة لأنصار أبيه من أعضاء اللجان الثورية ورجال الخيمة (المقربين من الزعيم القذافي) فسيف الإسلام سعى ضمن مشروع أطلقه في نهاية عام 2006 عرف بمشروع «ليبيا الغد»، وهي رؤية حضارية ومتجددة لليبيا، غير ليبيا العقيد القذافي، مما تسبب في تصادم متكرر مع سدنة النظام «الجماهيري» والحرس الثوري وحتى القذافي الأب نفسه، الذين رأوا في مشروع سيف حالة من التهميش لهم، وسحبا للبساط من تحت أقدامهم، وتحجيم سلطات الحرس ورجال الخيمة والانتهاء بالقذافي الأب لرمز في السلطة الليبية دون صلاحيات، وهو - أي القذافي الأب - عاش حياته الحاكم المطلق من دون دستور مكتوب، ولا برلمان يحدّ من سلطاته، فكان يأمر فيطاع لدرجة نصب المشانق وتصفية المعارضين من دون محاكمات قانونية وإجراءات تقاضي.

مشروع سيف الإسلام، الذي شارك فيه الطلقاء والهاربون من تنظيم جماعة الإخوان، وعلى رأسهم عراب الجماعة علي الصلابي الذي أصبح في زمن قياسي صديقاً مقرباً من سيف الإسلام، بل وملازماً له في حلّه وترحاله، بل أظهرت فيديوهات مسرّبة اجتماعات عقدها الصلابي مع رئيس جهاز الأمن الداخلي الليبي للترويج لمشروع توريث سيف الإسلام، وساهم الصلابي بدور فاعل مع الجماعة الليبية المقاتلة وقائدها عبد الحكيم بلحاج، ومفتى الجماعة سامي الساعدي، وعبد الوهاب القايد في إجراء «مراجعات» فقهيه للولاء والبراء والجهاد والتكفير في فكر الجماعتين، وشارك القرضاوي كمشرف عام على المراجعات، بل وساهم فيها وذهب إلى القذافي الأب في خيمته وبارك خطواته، وزار السجناء وتحاور معهم في زيارات خاصة كان ينسق لها على الصلابي لإتمام المراجعات، تلك هي التقية التي قُدِّمت للقذافي الأب على أنها مشروع توبة واستقامة وتطويع للجماعتين للخروج للحياة العامة من السجون.

المرجعات سرعان ما اتضح أنها مجرد «تقية» استخدمتها جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة، لإخراج عناصرهما من السجون، فالجماعتان سرعان ما عادتا إلى السلاح ومحاربة الدولة في اندلاع أحداث فبراير 2011، لتؤكد أن ما كتب من مراجعات جمعت في كتاب من 600 صفحة لم تكن سوى خداع ومراوغة انطلت على القذافي الابن، وكانت بداية العد التنازلي لحكم القذافي الأب، فكانت هذه الجماعات الإرهابية ضمن مشروع تآمري لإسقاط الدولة الليبية ونشر الفوضى، وليس فقط إسقاط القذافي وانتهاء حلم سيف القذافي.

ولكن تبقى مشاركة سيف الإسلام القذافي في حوار سياسي رهينة لحجم تفهمه، وتفهم من يمثلهم للتغيير الذي حدث في ليبيا رغم مصاعبه ومآسيه، إلا أنه لا يمكن العودة لجماهيرية القذافي الأب، ولو بأخرى ثانية، فتجربة سبتمبر (أيلول) انتهت وكذلك فبراير، والأصلح هو دولة مدنية بدستور يحترم حق المواطنة.