محمد الانور

لم يكن صعيد الوطن في يوم من الأيام منبعا لانحراف الافكار بقدرما كان ينبوعا للاعتدال والتسامح والتأقلم مع المشاق عبر مسيرته،بل إن هذه البقعة قدمت ومازالت للحضارة والأديان والإنسانية الكثير الذي أثري الوطن والعالم ولسنا بصدد الانحياز للجغرافيا والتضاريس بقدر ما نحن ننحاز للنموذج الإنساني والرقي الذي صنعه الكثير من أبناء الصعيد الذين تضيق المساحات عن ذكر أسمائهم وإنجازاتهم علي الأصعدة كافة وفي مختلف مراحل التاريخ بدءا من «مينا» موحد الوطن وحتي الآن ، إن تاريخ الصعيد القريب والبعيد حافل زاهر وحي وشاهد ومتمم لملحمة هذا الوطن ،ورغم بعض التعصبات والتشويهات والسخافات الإعلامية والضغوطات الاقتصادية حافظ الصعيد علي تماسكه الي حد كبير ومازالت منظومته القيمية قوية وصلبة الي حد ما رغم الكثير من عوامل التعرية، ومكمن الخطورة الحقيقية أن الصعيد الذي كان ومازال أكبر الطاردين للسكان للغياب المزمن للتنمية والاستثمارات الحكومية والخاصة ،تفاقمت أزماته بل استفحلت في ظل فساد متستشر في أجهزة الإدارات المحلية لا يردعها إلا قانون العائلات والعصبيات وليس قانون الدولة ومع الفساد والفقر والتهميش والمرض وغياب التنمية والدولة وحضورالمرض تصبح «داعش» وغيرها سيده الصعيد ،وحاولت الكثير من الجهات والمنظمات المتشددة اختراق بنيته المحلية وتجنيد عناصر لها ،ورغم الظروف المهيأة لم تستطع أي منظمة تحقيق ما ترجوه في الصعيد لا لأسباب ترجع الي الدولة وقوافلها الدعوية والنموية بل للكثير من العوامل التي تعود الي «العار والنار» ومن المؤكد أن تحركات الدولة الأخيرة ومؤتمراتها الرئاسية في قنا وغيرها وافتتاح الكثير من المشروعات الخدمية في الصعيد جيد ولكن علي الجميع ادراك ان الصعيد همش وأهمل عن عمد طوال عقودا ولم يكن له أي نصيب في التنمية ،إن الصعيد ليس متفردا عن بقية الوطن بشئ ولا يريد أن يكون كذلك.