FINANCIAL TIMES 

 ريتشارد ووترز من سان فرانسسكو وروشيل توبلينسكي من بروكسل

بالنسبة لشركة غالبا ما تبدو بأنها لا تريد شيئا أكثر من أن تكون محبوبة، لدى جوجل موهبة مؤسفة تتمثل في اكتساب أعداء لها في أوروبا.
على مدى ثماني سنوات من تحقيقات المفوضية الأوروبية الخاصة بمكافحة للاحتكار، التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي في غرامة سجلت رقما قياسيا بلغ 2.42 مليار يورو، حصلت شركة التكنولوجيا على قائمة متنوعة من الخصوم. من هؤلاء الخصوم شركة محتكرة متعافية اسمها مايكروسوفت، لعبت دورا محوريا في إثارة التحقيق الأولي للمفوضية، وأبطال صناعيون قدامى مثل شركة الاتصالات الألمانية "دويتشه تليكوم" التي انضمت للقائمة بسبب ظهور منافس من عصر المعلومات يسير، وفق قواعد مختلفة، وعدو لدود في الولايات المتحدة هو شركة أوراكل العملاقة للبرمجيات، ومعارضون سياسيون يراوحون بين رجال سياسة ألمان حذرين ويساريين فرنسيين أصحاب الخطاب الناري.
لكن ربما كانت معارضة صناعة الإعلام، التي شعرت بالضغط الناشئ عن قوة جوجل المتنامية - خصوصا عداوة بارونات الصحافة اليمينية مثل ماتياس دوبفنر، الرئيس التنفيذي لمجموعة أكسيل سبرنجر، وروبرت ميرك من نيوز كورب – هي التي كانت الخاتمة لما آلت إليه جوجل.
في أوائل عام 2014، عندما بدا أن تسوية مقترحة لإنهاء قضية المفوضية باتت، بعد طول مشقة، في متناول اليد، قرر اتحاد ناشري الصحافة الألمانية أن الوقت قد حان لكي يلقي بثقله.
قال توماس هوبنر، محامي الاتحاد في ذلك الوقت: "قلنا لا. بحثنا في المقترح ولم يكن هناك أي سبيل للقبول به. ومن ثم، في الحقيقة، اشتدت سخونة القضية".
هناك خطاب مفتوح لافت للنظر يقع في 14 صفحة من دوبفنر إلى إيريك شميدت، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة جوجل. تناول الخطاب، الذي أمسك بالمزاج العام السائد، القوة المتزايدة لجوجل وكأنها تهديد لروح القارة. قال مستهدفا نفوذها "إنه يتعلق بقيمنا ومدى فهمنا للطبيعة الإنسانية، وبنظامنا الاجتماعي العالمي، وبمنظورنا الخاص بنا، وبمستقبل أوروبا". وفي إعلان كان تعبيرا عن قلق أوسع نطاقا، لكنه غير معلن قال دوبفنر "نحن خائفون من شركة جوجل".
الرسالة التي جاءت بعد تسريبات سنودن المتعلقة بمراقبة الولايات المتحدة لشبكة الإنترنت، التي أدت إلى ظهور موجة من القلق في أوروبا حول الهيمنة الأمريكية، كان لها وقع خاص. فقد تلاشت فرصة التوصل إلى تسوية. وبعد أن وجهت جوجل جميع جهودها لاستمالة مفوض المنافسة في الاتحاد الأوروبي آنذاك، جواكين ألمونيا، بدلا من بناء دعم أوسع نطاقا لموقفها، وجدت الشركة نفسها وحيدة في العراء.
يقول توماس فينجي، المحامي الذي كان وكيلا لخصوم كل من جوجل ومايكروسوفت "حتى مايكروسوفت كان لها صديق أو اثنان في بروكسل (أثناء معركتها التي خاضتها لمكافحة الاحتكار مع الاتحاد الأوروبي قبل عقد من الزمان). أما جوجل فليس لها أي أصدقاء".
فشل جوجل في عام 2014 وصل إلى خاتمته الثلاثاء من الأسبوع الماضي، عندما تم إصدار الحكم في قضية الاتحاد الأوروبي. قالت مارجريت فيستاجر، المفوضة المسؤولة عن المنافسة، إن الشركة أساءت استخدام هيمنتها في عمليات البحث عبر الإنترنت، مستخدمة حصتها السوقية البالغة 90 في المائة في توجيه حركة المرور في محرك البحث نحو خدمات التسوق الخاصة بها على حساب المنافسين. ومنحت جوجل 90 يوما لإجراء تغييرات وفرضت عليها غرامة بلغت 2.42 مليار يورو - أكثر من ضعف الغرامة القياسية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على شركة إنتل في عام 2009 التي بلغت 1.06 مليار يورو.
وبذلك تكون القضية الغامضة، التي استغرقت ثماني سنوات في أروقة المفوضية، قد وصلت إلى نهايتها في لحظة حاسمة. فالقلق إزاء الشركات الرقمية الأمريكية العملاقة حاد. من فيسبوك إلى أبل، ومن أوبر إلى نيتفلكس، تتسلل المنصات الإلكترونية بشكل واسع وباستمرار إلى داخل نطاق العمل والحياة الشخصية.
بالنسبة لأنصارها، تمكنت فيستاجر من تجميع حجة هي الأولى من نوعها من أجل أن تضع بصورة حاسمة حدا لقدرة شركة مثل جوجل على استخدام ما يبدو أنه احتكار طبيعي في سوق واحدة - سوق البحث - بغية اجتياح سوق أخرى، في هذه الحالة خدمات التسوق المقارنة حيث يتصفح مستخدمو الإنترنت المنتجات التي يفكرون في شرائها.
كما استخدمت ذلك أيضا من أجل الإعلان عن مبدأ يمكن تطبيقه خارج نطاق هذه القضية الضيق. من الآن فصاعدا، سيتعين على جوجل أن تتعامل مع الخدمات الأخرى بشكل مماثل في مجال نتائج البحث لديها، بدلا من الترويج للخدمات الخاصة بها. إذا حكمنا من خلال استجابة كثير من الشركات التي كانت تصطف ضد جوجل، رسمت فيستاجر خطا مهما في الرمال.
لكن هناك أسباب تدعو إلى التشكيك في مدى فاعلية الانتصار الذي تحقق الأسبوع الماضي.
يقول جاري ريباك، وهو محام في وادي السيليكون كان ممثلا للشركات التي وقفت ضد جوجل، ولعب في الماضي دورا مهما في الترويج لقضية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار ضد مايكروسوفت "إن المنافسة لا تعود مرة أخرى إلى تلك الأماكن".
بعد مرور عشر سنوات على بدء ريباك لأول مرة تجميع حجة ضد جوجل، وهي فترة ارتفعت فيها إيراداتها خمسة أضعاف، لتصل إلى 90 مليار دولار، تغيرت الصناعة بشكل كلي تقريبا. ومواقع التسوق المقارنة التي تم خوض غمار المعركة بسببها تلاشت كلها تقريبا.
حتى تلك الشركات التي بقيت ربما تشهد القليل من المنافع المتأتية من هذه القضية، بحسب ما يقول بعض المراقبين. راندال بيكر، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة شيكاغو، يرى أن: "السؤال الحقيقي هو، كيف سيرغمون جوجل على تغيير الأسلوب الذي تستخدمه في إدارة أعمالها؟ لا يبدو هذا مهما أبدا".
وثمة دلالة أخرى توحي بالشؤم، افتقار جوجل الواضح للندم. يقول مسؤول رسمي في الاتحاد الأوروبي على اطلاع بالقضية "نحن نتحدث بلغات مختلفة". يقول أناس على دراية بالشركة إنها تتفهم أن "الامتثال أمر ضروري تماما". لكن جوجل لا تزال غير موافقة على القرار، الأمر الذي لا يوحي بأن الشركة تؤمن بحاجتها إلى تغيير أساليبها، وهو الشيء الذي تصر المفوضية على أنه أمر ضروري.
هذا الانقسام الأيديولوجي يذكرنا بقضية مايكروسوفت، حيث استغرق التوصل إلى اتفاق على سبل للحل نحو أربع سنوات، ما أدى إلى تكبد مئات الملايين من الدولارات على شكل غرامات إضافية. وقد اشتملت كلتا القضيتين على أسواق كانت الشركات المنافسة فيها صغيرة بحلول الوقت الذي اتخذت فيه المفوضية قرارها، واعتقدت كلتا الشركتين في الأساس أن أيا منهما لم ترتكب أي خطأ.
يقول فينجي "المشهد في جوجل، في كل مرحلة من مراحله تقريبا، كان يشبه مشهد مايكروسوفت إلى حد كبير. إذا استمر هذا التوجه، ربما نكون الآن على أعتاب الدخول في مرحلة طويلة من المعارك الضارية بين جوجل والمفوضية وغيرها من الشركات الأخرى حول سبل الحل في قضية التسوق".
بالنسبة للجهات المنظمة الأوروبية، والوطنية، التي طالما خاضت معارك ضد شركات الإنترنت الأمريكية في قضايا تراوح من الخصوصية إلى حقوق التأليف والنشر، يمثل الانتصار في قضية مكافحة الاحتكار جبهة جديدة في محاولة لوضع حدود لبعض الشركات الأقوى والأكثر نفوذا على سطح الأرض.
يبين النجاح في هذه القضية أنه لا شيء مختلف فيما يتعلق بمواجهة الشركات الرقمية المحتكرة، كما قالت فيستاجر. وأضافت يوم الجمعة "يعود تاريخ هذه الأشياء إلى عهد آدم وحواء، فالأمر كله يتعلق بالجشع والخوف. الجشع المتمثل في الحصول على شيء ما من خلال التحايل، والخوف من أن يتم إخراجهم من السوق".
ويوافق مراقبون أوروبيون على ذلك. يقول إيوانيس كوكوريس، من معهد لندن للقانون العالمي والاقتصاد والمالية "لدينا الأدوات التي نحتاج إليها، ولسنا بحاجة إلى أدوات جديدة لإنفاذ (قوانين) المنافسة".
وأظهرت فيستاجر مدى عزمها. في العام الماضي، مثلا، قضت بأن على شركة أبل دفع 13 مليار يورو من الضرائب المتأخرة في قضية تتعلق بمعاملة خاصة حظيت بها في أيرلندا. لكن الموضوع المتعلق بمدى فعالية سلاح مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا العملاقة بقي عرضة للتساؤلات. تطبيق المبدأ المنصوص عليه في قضية جوجل على الأسواق الأخرى لا يزال يحتاج إلى تحقيقات وملاحقات قضائية شاقة.
إحدى تلك القضايا هي الوقت اللازم لرفع دعوى قضائية ناجحة. يقول ريباك "كل الأمر يتعلق بمدى سرعتك في إنجاز الأمور في تلك الأسواق المتصلة عبر الشبكات. لم يستوعب الأوروبيون الحقيقة التي مفادها أنه لا يمكنك التعامل مع هذه القضية بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع جميع القضايا الأخرى". ويضيف "مدة جيل تكنولوجيا الإنترنت في الوقت الحاضر هي عامان".
ومن غير المرجح أن يكون قانون المنافسة سلاحا فعالا في قضايا لا تمتلك فيها الشركات احتكارات واضحة - أو حيث لا توجد أية أدلة على وجود إساءة واضحة. فقد تجنبت أمازون بكل هدوء في أوائل هذا العام، تحديا محتملا في أوروبا يتعلق بهيمنتها على سوق الكتب الإلكترونية عندما غيرت طوعا عقودها مع الناشرين.
وقد تشعر شركات وسائل الإعلام بالضغط أمام القوة المشتركة لجوجل وفيسبوك، لكن خبراء المنافسة يتساءلون ما إذا كان ذلك سيرقى إلى مستوى انتهاك القانون. يقول ريباك "كيف يمكنك اعتبار ما تفعله فيسبوك استغلالا لمركز مهيمن؟ بأن تصبح بوابة رئيسية؟".
كانت إحدى نقاط الضعف في قضايا التنافسية هي عدم الانتباه إلى أهمية البيانات، بحسب ما يقول ألان سترويل، الأستاذ في جامعة دي لوفان الكاثوليكية في بلجيكا. وما لم يبدأ المنظمون في إيلاء أهمية لقيمة البيانات، سيكونون عرضة لخطر التقليل من قيمة قوة الشركات الرقمية.
قد تبدأ الجهات المنظمة في مجال التنافسية في استيعاب ذلك وتفهمه. تم فرض غرامة مقدارها 110 ملايين يورو على فيسبوك في وقت سابق من هذا العام بعد أن اكتشفت المفوضية أنها كانت قد جمعت بيانات المستخدمين التي حصلت عليها من تطبيق الواتسآب مع الخدمات الخاصة بها - وهو أمر كانت قد وعدت بعدم الإقدام عليه عندما استحوذت على تطبيق خدمات المراسلة.
في النهاية، يعود الأمر إلى الإرادة السياسية، بحسب بيكر: فقط التدخل التنظيمي المتضافر ضد الشركات التي تستفيد من تأثيرات الشبكة يمكنه كبح جماح شركات الإنترنت الكبرى. لكن هذا لم يتجمع حتى الآن على شكل قانون تنظيمي لعموم أوروبا بشأن المنصات الرقمية.
حتى مع العوائق التي تواجه الجهات المنظمة، تواجه جوجل قرارا مهما. هناك تحقيقان أوروبيان آخران يلوحان في الأفق، أحدهما يتعلق بنظام تشغيل الهواتف المحمولة المهيمن، أندرويد. ومن الذهاب بعيدا في هذه القضية، يمكن أن تثار هجمات أكثر ضراوة في المستقبل.
يقول ستيفن كينسيلا، وهو مستشار قانوني لعدد من الشركات التي قدمت شكاوى في قضية التسوق "ربما تكمن المشكلة في تكييف جوجل لطريقة تفكيرها، وهو أمر ضروري إذا كانت تريد المضي قدما وتجنب أن تكون هدفا في قضايا تثار في العقد المقبل".
وشددت فيستاجر على أنها ليست خائفة من الجيل الجديد من عمالقة التكنولوجيا. قالت "أعتقد أن (القرار الخاص بجوجل) هو من طراز المدرسة القديمة، لكن في أسواق جديدة".