أحمد عسيري

صورة بانورامية قدمها الكاتب والصحفي العربي «عرفان نظام الدين» عن شاعر العصر وشاعر الجماهير «نزار قباني» في كتابه آخر كلمات نزار «كشف كثيرا من أسرار حياته، ومكنونات قلبه ووجدانه، ولحظات هدوئه وجنون عواصفه»، أطرف ما في هذه الدراسة الفصل الذي يتحدث عن لقاء القباني والقصيبي، بعد حادثة مقال القباني الذي انتقد فيه أحوال «العرب» وأوضاعهم المزرية، وكان عنوانه «نحن السريلانكيين الموقعين أدناه» قال فيه: «إن آخر ما توقعه «العرب» أن يصبحوا في آخر عمرهم سريلانكيين يمسحون الأرض، وينظفون الصحون، ويربون الأطفال، «ولكن» غازي القصيبي «حضر كعادته عملاقا وإنسانا، ناصع البياض، لينتصر للحقيقة ويرفع الظلم عن الآخرين، يقول غازي «رحمه الله»، «أراد الكاتب أن يبحث عن صفة تنطبق عليها كل صفات الصغار والعار، ليطلقها على «العرب» فلم يجد غير «السريلانكيين»، من المدهش أن يتورط شاعرنا الكبير في هذا المنزلق العنصري، فيتوهم أن «العرب» من طينة أرقى أو أسمى أو أصفى من طينة «السريلانكيين» الموقعين أدناه، يبدو أن الأستاذ «نزار قباني» لا يعرف بعض الحقائق الريئسة عن «سريلانكا»، ولهذا نرى من المناسب إيرادها لفائدته وفائدة القراء. 
تجمع أدبيات التنمية على أن «سريلانكا» تعتبر من النماذج التنموية الناجحة القليلة في العالم الثالث، فهي من الأماكن القليلة التي تقدم خدمات طبية وتعليمية واجتماعية متكاملة، رغم ضآلة مواردها، وعند محاولة تحديد مقاييس التنمية، تجمع الأدبيات أن أهم مقياس هو «طول الحياة المتوقع» لأنه محصلة عدة عوامل، تتعلق بالغذاء والدواء والكساء، وبهذا المعيار حققت «سريلانكا نجاحا باهرا، لأنها استطاعت -رغم فقرها الشديد- أن تصل إلى معدل العمر نفسه، المتوقع في الولايات المتحدة الأميركية». وختم غازي القصيبي مقالته بالتمني 
«لجميع العرب ولجميع السريلانكيين ولشاعرنا الكبير أطيب التمنيات بحياة طويلة سعيدة بمعيار سريلانكا لا العالم العربي». لم تمنع وشائج الصداقة والود، بين الشاعرين أن يصدع القصيبي برأيه، حين لمس من نزار نزعة التعالي، وإهانة شعب لا يستحق الإهانة، يروي نظام الدين أن نزار كان ثائرا وحزينا ويردد عبارة «من بيت أبي ضربت»، ولكن الزمن والنسيان أسدل ستارته على تلك الحادثة، فعادت المحبة بينهما حين قام القصيبي بزيارة نزار بعد وعكته الصحية، أسماها نظام الدين «لقاء القمة.. لقاء العطر بالشهد»، وبعد رحيل نزار رثاه القصيبي بقصيدتين: الأولى نزارية خاصة لنزار «ندق على جدرانه وننقر.. أكوخك هذا أم زبيب وسكر؟ ونأتيك أطيارا تناثر ريشها.. فينمو لنا ريش من الشعر أخضر..»، والثانية: في وداع نزار
«كتبت اسمك فوق الغيم بالمطر.. 
وبالجدائل في سبورة القمر.. 
يا للوسيم الدمشقي الذي هرمت دنياه..
وهو على عهد مع الصغر.
تموت؟ كيف؟
وللأشعار مملكة..
وأنت فيها مليك البدو والحضر.