مرام مكاوي

يجب أن يتصدر المشهدَ الإعلامي السعودي خارجيا أشخاصٌ ذوو خبرة وكفاءة، ولهم إلمام بالثقافة الغربية، بحيث يخاطبونهم بلغة يفهمونها، وإن اختلفوا معهم في الرأي

دأبتُ منذ فترة على متابعة ما يُنشر عن العرب والمسلمين بصفة عامة في الإعلام الأجنبي، سواء الصحف والقنوات الرسمية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 
ومع تصاعد الحركات والأحزاب اليمينية من ناحية، والجماعات الإرهابية من ناحية أخرى، وظهور مشكلة اللاجئين السوريين الزاحفين إلى أوروبا وأميركا، وما يصاحبه من تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا، وبروز النَفَس القومي والوطني المتطرف حول العالم، حتى ليشعر المرء أنه يشهد عشية حرب عالمية ثالثة، فإنني أستطيع القول: إن جُلّ ما قرأته لم يكن إيجابيا، بل بصراحة كان سيئا، سواء فيما يتعلق بالجانب السياسي، أو حقوق الإنسان، أو وضع المرأة، أو حتى بعض الشرائع الإسلامية والعادات المحلية. 
لكن، إن كان هذا فيما يتعلق بنا كمسلمين مجتمعين، فماذا عن صورة السعودية، والسعوديين تحديدا؟
للأسف، تبدو الصورة أكثر قتامة، بل وإجحافا، ولعل ذلك مرده أسباب كثيرة، أهمها كون السعودية قلب العالم الإسلامي، فمن يكره الإسلام أصلا ويحتقر تشريعاته كيف يمكن له أن يتقبل المملكة التي تأسست على الشريعة، وتضم الحرمين الشريفين، وهي القبلة والمحج؟
الغريب أن دولة مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا ينالها النصيب نفسه من الاهتمام والنقد. ويبدو العداء الموجّه ضدها سياسيا في المقام الأول، فالحكومات الإيرانية المتعاقبة بعد الثورة مكروهة، لكن في الوقت نفسه هناك إعجاب بالحضارة الفارسية، وبالثقافة الإيرانية مثل السينما، أي أنه لا يتم النظر إليها كدولة صحراوية لا تملك سوى النفط، كما هو الحال مع الدول الخليجية. 
ولعل العلاقات القديمة بين الإيرانيين والغربيين منذ أيام الشاه، أو النشاط الثقافي الملحوظ للإيرانيين في المهجر، خاصة في ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، له دور في تسليط الضوء على الوجه الآخر لتلك الدولة.
عودةً إلى صورة المملكة التي لا تعجبنا للأسف، فلو استبعدنا العامل النفسي الاستباقي الذي يجعلهم يكرهونها لأسباب أيديولوجية أو عنصرية، لا يد لنا فيها، وحاولنا بكل شفافية معرفة ما إذا كان لنا يد في تصدير هذه 
الصورة المشوهة، ماذا ستكون النتيجة؟
ملف المرأة وحده كافٍ ليجر علينا الانتقادات. لا أتحدث هنا طبعا عن التشريعات الإسلامية الأصيلة الخاصة بالمرأة، والتي ربما يراها الآخرون ظلما، لكنها ليست كذلك، فهذه لا نطلب فيها رضا أحد، وإنما عن تلك العادات المحلية المجحفة التي تم إلباسها رداء الدين، وعلى رأسها قيادة المرأة للسيارة، والتي أسقطت كل أوراق التوت التي كنا نستتر بها لنبرر هذا الحظر. فضلا عن تصريح السفر، أو الولاية المطلقة على المرأة من المهد إلى اللحد من ذكور العائلة، حتى وإن كانوا أحفادها، كل هذه التشريعات لا تعطي صورة طيبة عن الدولة التي تتبناها، ولا عن الشعب الذي يتقبلها.
المواقف السياسية التي ربما لا تكون واضحة أحيانا للمتابع الغربي، تسهم في ذلك أيضا. فمثلا في ملف اللاجئين السوريين، لا يعرف كثيرون جهود السعودية في استضافة الإخوة السوريين، ولا عن وجودهم بأعداد كبيرة فيها، فكلما فُتح ملف اللاجئين السوريين والتذمر الأوروبي منهم يرتفع صوت: وماذا عن السعودية: لماذا لا تستضيفهم؟
ورغم كل جهود المملكة في محاربة الإرهاب، والتي اعترفت بها علنا الحكومات الأجنبية، فإنها لم تصل إلى جل الشعوب الأجنبية. فلا يكاد يُنشر مقال عن الإرهاب أو القاعدة أو داعش، إلا وتجد عشرات التعليقات على مواقع الصحف الأجنبية، مثل الواشنطن بوست والجارديان والإندبندنت والنيويورك تايمز، أو على روابطها في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا وتربط المملكة بالإرهاب، وبأنها -بهتانا- مسؤولة عن تمويل هذه الجماعات، رغم أنها من أوائل المكتوين بنارها.
فما الحل إذًا؟ هل نتقبل الوضع ونتعايش معه، رغم ما يمكن أن يتسبب فيه من كلفة سياسية لنا؟ ففي الدول الديموقراطية، الشعوب تحاسب قادتها على سياستها الداخلية كما الخارجية، وما زالت رئيسية الوزراء البريطانية تتعرض لهجوم إعلامي شديد، بسبب موافقتها على بيع أسلحة للمملكة. وفي حال نجحت مساعي المعارضة في الإطاحة بحكومتها، فإن البديل هو اليساري رئيس حزب العمال جيرمي كوربن الذي ربما تكون له مواقف سياسية مختلفة في الشرق الأوسط.
الحل الثاني، أن نبدأ بخطوات داخلية وخارجية باتجاه تحسين الصورة، وذلك يستلزم تحسين الأصل، فالملفات كثيرة، تنتظرها إصلاحات ضرورية وعاجلة، على أن تصاحبها حملة إعلامية تظهر التقدم الحاصل.
من ناحية أخرى، يجب أن يتصدر المشهدَ الإعلامي السعودي خارجيا أشخاصٌ ذوو خبرة وكفاءة، ولهم إلمام بالثقافة الغربية والمجتمعات الأجنبية وتاريخها، بحيث يخاطبونهم بلغة يفهمونها، ويكسبون احترامهم، وإن اختلفوا معهم في الرأي، وأن يتم تعيين السفير والملحق الثقافي استنادا إلى قدرته على اختراق هذه المجتمعات ثقافيا، والوصول إلى العقول قبل القلوب. 
الطريق طويل، والتخطيط صعب والتنفيذ أصعب، لكن لو بدأنا اليوم فستكون الصورة مختلفة بعد 10 سنوات، ولو كنا بدأنا بشكل صحيح بعد أحداث سبتمبر، لربما كان الوضع الآن مختلفا بشكل كبير، لكن أن تبدأ متأخرا خيرٌ من ألا تبدأ أبدا.