محمد العسومي 

بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، فإن أزمة قطر المالية والاقتصادية تتفاقم وبأسرع مما توقعناه سابقاً، حيث برزت في الأيام الماضية العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك، رغم النفي القطري الرسمي المتكرر إلا أن للسوق ظروفها ومتطلباتها الموضوعية التي لا يمكن تجاهلها، إذ يمكن استعراض بعض هذه المستجدات على النحو التالي: تأثر سعر الريال القطري بشدة تجاه الدولار الأميركي، فمن المعروف أن البنك المركزي القطري يربط سعر الدولار عند 3.64 ريال، ويسمح بتقلبات محدودة، إلا أن ذلك لم يعد كذلك منذ حدوث الأزمة قبل شهر، ففي اليوم الأول هبطت إلى 3.647، لتتوالى عملية الهبوط بسرعة إلى 3.79 قبل أن يتدخل البنك المركزي القطري لترتفع إلى 3.77، إلا أنها لا تزال متذبذبة تحت ضغوط كبيرة، خصوصاً بعد أن رفضت مؤسسات صرافة دولية التعامل بالعملة القطرية.

ففي هذا الصدد، أكد الفرع البريطاني لشركة الصرافة العالمية «ترافيليكس» أحد أكبر دور الصرافة في المملكة المتحدة وبنك «هالفاكس أوف سكوتلاند» البريطاني عدم قبولهم للريال القطري، حيث سارت مجموعة «لويدز» المصرفية في نفس الاتجاه، أما محال الصرافة المحلية هناك، فإنها تحاول تحاشي قبول الريالات القطرية رغم مراقبة البنك المركزي لها، وهي تقوم بذلك في نطاقات محدودة تحسباً لأي تطورات غير متوقعة للتقليل من خسائرها. في المقابل، يسعى العاملون الأجانب، وكذلك القطريون لتحويل مدخراتهم للخارج خوفاً من المزيد من الهبوط للعملة القطرية، مما أحدث نقصاً في العملات الأجنبية في محال الصرافة، والتي قيدت بدورها مبالغ التبديل والتحويلات، إما بضغوط من المصرف المركزي أو بسبب المخاوف. من جانب آخر، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً قالت فيه إن هناك 43 إرهابياً يقيمون في قطر، وهو مؤشر خطير يمكن أن تترتب عليه عواقب مالية خطيرة على الاقتصاد القطري، إذ إن تدخل وزارة الخزانة يعني أن الأمور وصلت إلى مرحلة حساسة، حيث يترتب على هذا الإعلان من جميع المؤسسات في بلدان العالم كافة، وبالأخص في قطر تجميد أو مصادرة أموال وموجودات هذه الشخصيات، وإلا فإن المؤسسات المالية والمصارف والدول التابعة لها ستتعرض لعقوبات من الولايات المتحدة ستساهم في تفاقم أزمتها في الحالة القطرية، إذ تشير التجارب السابقة إلى أن هذه العقوبات عادة ما تكون مؤلمة ومؤثرة بشدة في الأوضاع الاقتصادية.

أخيراً وليس آخراً، قامت قطر بسحب 60 مليار ريال (16 مليار دولار) من ودائعها، كما اقترضت 10 مليارات أخرى من الريالات (2.65 مليار دولار)، مما يعني أنها تعاني نقصاً في السيولة تسببت بها الأزمة وحملة المقاطعة الخليجية والعربية، في حين بلغت نسبة الديون السيادية للناتج المحلي الإجمالي 150%، وهي نسبة كبيرة للغاية، وتجاوزت نسبة الأمان البالغة 60%، وهو وضع خطير من الناحية المالية.

في المقابل، لا تعرف الحكومة العراقية وفق التصريح الصحفي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كيفية التصرف في 700 مليون دولار نقداً وصلت إلى مطار بغداد من الدوحة دون علم الجهات الرسمية العراقية لتسليمها لـ«الحشد الشعبي» المصنف إرهابياً ضمن صفقة لتحرير رهائن قطريين، إضافة إلى 300 مليون دولار نقداً أيضاً سلمت لـ«جبهة النصرة» الإرهابية ضمن هذه الصفقة، إذ من الواضح أن جهات عراقية عديدة ستتقاسم هذه الأموال الهائلة في نهاية الأمر، والتي يبدو أنها قدمت كدعم وليس فدية، إذ إن هكذا مبلغ لا يقدم كفدية، فمبالغ الفديات السابقة لم يتجاوز أعلاها 25 مليون دولار.

والحقيقة أنه ما أحوج الاقتصاد القطري حالياً للمليار دولار التي ذهب لأفراد ومنظمات لا يستحقونها، وهي كلفت الاقتصاد والشعب القطري الكثير، والتي كان بالإمكان تسخيرها للتنمية، وبالأخص لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يحتاج إليها الاقتصاد بشدة لتنمية القطاع الخاص وزيادة دوره التنموي.

من ذلك نلاحظ، أنه لا أحد يحاول الإساءة إلى قطر أو الشعب القطري، وإنما الوقائع والأرقام تتحدث عن نفسها، وأن الأزمة المالية هناك ستتفاقم بسرعة، إذا لم تحاول قطر الاستجابة لمتطلبات جيرانها، ووقف الأعمال المسيئة والتي قادت إلى هذا الوضع الخطير سياسياً وأمنياً واقتصادياً.