سطام المقرن

الإسلام السياسي، للأسف، جعل إيمان الناس إيمانا قشريا ضعيفا، وجعل الإنسان بلا أخلاق، ومتخلفا تابعا يعيش الخوف والحذر، تتحرك فيه نوازع العصبية والطائفية

أثبتت التجربة التاريخية بما لا يدع مجالا للشك فشل الإسلام السياسي في إدارة شؤون المجتمعات ومواكبة الظروف الاجتماعية والحياة الإنسانية بما تزخر فيه من معطيات ومشاكل سياسية وأزمات اقتصادية في واقع الحياة، وليس هذا وحسب، بل كرّس هذا التيار الجهل والتخلف في المجتمعات الإسلامية، وأنتج العنف والإرهاب في العالم ككل، حتى أصبح اليوم أداة من الأدوات السياسية القذرة التي تستخدم لتطويع الشعوب وإفشال المبادرات السياسية والدبلوماسية، ناهيك عن تشويه الإسلام وقيمه الأخلاقية.
فكما رأينا في تجربة الإسلام السياسي في إيران، والذي يمثل الإسلام السياسي الشيعي القائم على فكرة «ولاية الفقيه» النائب عن الإمام، حيث يتم استغلال الدين والأئمة في التعتيم على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، في حين اعتقد الناس في الماضي، عند قيام الثورة وإسقاط نظام الشاه، أن عدالة الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سوف تتجسد على أرض الواقع، ويتحول المجتمع إلى مجتمع ملائكي لا فقر ولا ظلم ولا جريمة فيه، ولكن الواقع أحبط آمالهم.
لقد عانى الشعب الإيراني من الظلم والاستبداد في ظل حكومة رجال الدين أكثر مما عاناه في عصر الشاه، وبعد التدهور الاقتصادي لإيران بسبب الحصار الدولي لها، اكتشف الناس قصور أدوات السلطة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ورأوا الصراع السياسي والفكري بين رجال الدين، وأصبح المجتمع الإيراني يعاني الفراغ الروحي والمعنوي، فاتجه بعضهم بسبب ذلك إلى الوراء والتمسك بالطقوس والأفكار القديمة لإشباع حاجاتهم وتبرير واقعهم، وأما الجيل المثقف في هذا المجتمع فيعيش الفراغ والخواء الروحي بشكل أكبر، والطقوس والممارسات الدينية لا يمكنها إرضاء حاجاته المعنوية.
وعلى هذا الأساس، إذا أراد البعض في إيران طرح تساؤلات وعلامات استفهام حول الأمور السياسية التي تطرح بشكل أحكام فقهية فسوف يتهم بالانحراف والمروق من الدين، ويستخدمون معه شتى أنواع القهر والاستبداد، وحتى تحافظ الحكومة الدينية على ديمومتها فهي تسعى دوما إلى إشعال نار الحروب والقتال، وخلق أعداء وهميين في عملية تمويه واسعة والتفاف على الدين، فكما رأينا حرب إيران مع العراق وإدامتها لعدة سنوات، وذلك لأن القرآن الكريم يقول (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)، بغض النظر عن مصلحة الشعب الإيراني، وها هم اليوم يشعلون الحروب في العراق وسورية ولبنان واليمن، واختلاق الحرب مع أميركا وإسرائيل، وذلك باسم الدين لأجل تخدير الشعب الإيراني.
أما بالنسبة للإسلام السياسي السني في بعض الدول العربية، فهو يتخذ عدة أشكال تتمثل في أحزاب وجماعات ومنظمات، ولم يستطع أتباع هذا التيار تكوين دولة دينية كإيران، خاصة بعد فشل تجربة الإخوان المسلمين في مصر، والذين كانوا بالفعل يعملون على ترسيخ فكرة ضرورة تكوين الدولة الإسلامية، وهم من الناحية الأيديولوجية لا يختلفون عن الإسلام السياسي في إيران، فهم يعملون على استغلال عاطفة الناس وحسن ظنهم بالحكومة الإسلامية في عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، وعصر الخلفاء الراشدين وما فيها من إيجابيات عظيمة من قبيل العزة والكرامة والفتوحات الواسعة والأمن الاجتماعي والعدالة والأخلاف، وعلى هذا الأساس يجب تحريك الناس في هذا الاتجاه طمعا منهم في العدالة التي افتقدوها في ظل الحكومات العميلة، والنظم الجائرة، على حد زعمهم.
وبالفعل استطاع أتباع الإسلام السياسي طبع الصورة الذهنية السابقة في وعي عوام الناس، فتجد المسلم إذا أصيب بضائقة مالية أو شاهد مظاهر الفقر في بعض الدول الإسلامية، تذكر أن المسلمين لم يجدوا من يأخذ الزكاة في عصر الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وإذا شاهد مظاهر الضعف والتخلف والجهل تذكر عصر الفتوحات الإسلامية والنهضة العلمية أيام الخلافة الإسلامية، وإذا شاهد مظاهر الظلم والاستبداد تذكر كيف كان الخلفاء والأئمة يقيمون العدل وينصفون المظلومين.
وتأسيسا على ما تقدم، وبعد فشل الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، والواقع المحبط لهذا التيار، بدأ أتباع هذا التيار القيام بالأعمال الإرهابية وإثارة الفتن والحروب، فكما رأينا آنفا كيف تقوم إيران باستغلال أتباعها في اليمن ولبنان وغيرها، وكيف تقوم بتحريك حزب الله للقيام بعمليات إرهابية، وذلك لأجل تحقيق أهداف سياسية بحتة، وما تقوم به أيضا منظمة حماس تحت ستار المقاومة، كما أن بعض الدول الأخرى تستغل أتباع الإسلام السياسي لتحريك الفتن وإجهاض بعض القرارات أو المبادرات السياسية في الدولة الأخرى، أو من أجل حماية أنظمة سياسية معينة، أو من أجل تحقيق أهداف اقتصادية بطرق غير مشروعة.. ويتم ذلك كله باسم الإسلام والشريعة.
إذا ارتدت السياسة لباس الدين فقد الدين رسالته السامية، وبالتالي لا يستطيع إحياء دنيا الإنسان، وسيقع مظلوما في نهاية المطاف، لقد استطاع الإسلام السياسي، للأسف، جعل إيمان الناس إيمانا قشريا ضعيفا، وجعل الإنسان بلا أخلاق، ومتخلفا تابعا يعيش الخوف والحذر، تتحرك فيه نوازع العصبية والطائفية، يعيش جفاف الروح ولا ينطلق من رابطة حقيقية بينه وبين الله، عزّ وجل، فبدلا من أن يكون الدين وسيلة للتنمية أصبح أداة سلطوية على الناس لتحقيق مصالح خاصة لفئة معينة.
لا أقول بأن العلمانية هي البديل، ولكن الإسلام المدني هو ما يجب أن نفكر فيه في هذه المرحلة الحرجة.