سمير عطا الله

 أوائل السبعينات وجه الرئيس سليمان فرنجية دعوة لزيارة لبنان إلى داني توماس؛ يومها صاحب أشهر اسم في الكوميديا التلفزيونية الأميركية. لم يكن هناك أميركي لا يعرف اسم توماس، الذي ظل طوال عقود يضحك الأميركيين على «خبريات» المغترب اللبناني البسيط «خالي طنوس». ووقف توماس في صفٍ واحدٍ مع عمالقة الكوميديا. وكان يحل ضيفاً على جميع البرامج. واختارت ابنته الكبرى، مارلو، السينما هي أيضاً، وذاعت شهرتها، وربطتها الإشاعات بعلاقة مع جون كيندي. وعندما سألت توماس عن ذلك، قال ضاحكاً: «مارلو أعقل من ذلك».

اهتم الرئيس فرنجية اهتماماً شديداً بضيفه عاموس مِزيَد كيروز، الذي اختار لنفسه اسما فنياً لا يثير الضحك، وحمل اسميْ شقيقيه، داني وتوماس. ثم انتقل خاله، طنوس، العامل في أحد المصانع، والذي لا يحفظ سوى بضع كلمات إنجليزية محدودة؛ شخصية يسهل أن تركب عليها الحكايات المضحكة في هذا العالم الجديد، بعيداً عن بلدة بشري الجبلية حيث ولد.
ودار كثير من الحكايات حول طنوس وأصحابه من فقراء الآيرلنديين العاملين مثله. إنه المجتمع نفسه الذي عاش فيه ابن بشري الآخر، جبران خليل جبران. لكن فيما اتجه جبران في الفنون إلى الرسم والكتابة والمأساة، اتجه ابن بلدته إلى الترويح عن ملايين البشر.
كان مفترضاً أن أجري مقابلة صحافية عابرة مع ضيف لبنان. ولكن المقابلة تحولت إلى رفقة وصداقة طوال إقامته في بيروت. فعندما قمت أودعه، قال ببساطة، وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ سنين: «عندما لا تكون مشغولاً، أتمنى أن نرى لبنان معاً».
كنت شاباً يومها. والشباب لا يحلمون منفردين. وكنا نحلم بأن تصبح الجالية اللبنانية الكبيرة التي هاجرت قبل ظهور فكرة العروبة، جالية ذات أفق عربي. ومن المصادفات أن مودة جمعتني ببعض أصدقاء داني، مثل المحامي ريتشارد شدياق والصناعي أنطوني إبراهام، والوزير لاحقاً أنور الخليل. وبدأ الحلم مفرحاً وشديد الاحتمال، إلى أن دخلت عليه جرثومة اللبننة. ضاع الحلم، وبقيت المودات. وانصرف كل منا إلى عالمه. وعالمي بينهم كان الأصغر والأكثر عطوبة والأقل استقراراً.
عام 1975 بدأت الحرب الأهلية في لبنان. شعرنا، نحن المقيمين، بأن عالمنا الماضي ينكسر. وشعر المهاجرون بأن أحلامهم للبلد الأم تتكسر. وجئت صيف ذلك العام، كالعادة، إلى نيويورك، لتغطية الجمعية العمومية. لكن كان ثمة هدف آخر، ورغبة أخرى.
إلى اللقاء...