جهاد الخازن

إيمانويل ماكرون أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة وأقوى رئيس. هو فاز بالرئاسة الفرنسية وعمره 39 سنة منتزعاً نحو ثلثي أصوات الناخبين أمام منافسته مارين لوبن، وحزبه «إلى الأمام» حصد 308 مقاعد من أصل 577 في البرلمان الفرنسي أو 550 مقعداً مع حليفه حزب الحركة الديموقراطية.

هناك نواب مستقلون في البرلمان تعهدوا تشكيل مجموعة تؤيد الرئيس ماكرون، ما يعني أنه يستطيع تنفيذ أجندته السياسية كلها.

كيف وصل ماكرون إلى هذا المركز؟ هو تخرج سنة 2004 في المدرسة الوطنية للإدارة وعمل موظفاً حكومياً، ثم ترك هذا العمل وانضم إلى بنك روتشيلد ونجح وجمع ثروة. الرئيس فرنسوا هولاند جاء إلى الحكم سنة 2012 وماكرون ترك البنك ليصبح نائب الأمين العام لقصر الإليزيه. هو نجح ولفت نظر الرئيس ورئيس وزرائه الثاني مانويل فالس وعين ماكرون وزيراً للاقتصاد، فتعامل مع بروكسيل بطريقة إيجابية وخفض العجز الحكومي وشجع النشاط الاقتصادي.

البقية يعرفها القارئ فقد شكل ماكرون حزب «إلى الأمام» وفاز بالرئاسة.

كل ما سبق لا يلغي ما يواجه ماكرون من صعوبات في إدارة دفة الحكم. هو شكل وزارة من 14 رجلاً و14 امرأة إلا أن أربعة وزراء استقالوا خلال أسبوع.

- فرنسوا بايرو استقال من عمله وزيراً للعدل.

- مارييل دي سارنيز استقالت من عملها وزيرة للشؤون الأوروبية.

- سيلفي غولار استقالت من عملها وزيرة للدفاع.

- الرئيس ماكرون نقل ريشار فيرّان من عمله وزيراً للتعاون الإقليمي.

الوزراء الثلاثة الذين بدأت بهم من حزب الحركة الديموقراطية، وقد واجهوا تحقيقاً في إساءة استخدام دفعات مالية في البرلمان الأوروبي. الرابع كان متهماً بتوظيف أقارب وأصدقاء له.

كل ما سبق حصل وإيمانويل ماكرون لم يؤلف حزبه إلا قبل 14 شهراً فقط، وكان حظه في الرئاسة قليلاً لولا أن الميدان خلا له بخروج أبرز المرشحين مثل فرنسوا فيون وجان لوك ميلانشون. واعتقل شخص قبل أسبوعين بتهمة التخطيط لاغتيال ماكرون في ذكرى الثورة الفرنسية بعد غد.

سجلت أسباب قوة ماكرون وما يواجه من مشاكل، ولكن إذا كان لي أن أبدي رأياً في المستقبل أقول أن حكم الرئيس لن يهتز فعنده من التأييد الشعبي والبرلماني ما يمكّنه من إقرار القوانين التي يريدها، وبما أنه نجح وزيراً للاقتصاد فإنني أتوقع أن ينجح رئيساً في دفع الاقتصاد الفرنسي إلى أمام.

أرجو ألا يصبح ماكرون ديكتاتوراً بقناع ديموقراطي. كان الرئيس هولاند أعلن حال الطوارئ بعد الإرهاب الذي عصف بفرنسا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وأقرأ أن الرئيس ماكرون يريد «تشريع» معظم نصوص الطوارئ في قرار الرئيس السابق. غير أنني وجدت غياب دور للقضاء في مراقبة نفوذ السلطة التنفيذية. بل إن ضم قوانين الطوارئ إلى القانون العام يعني حرمان المواطنين الفرنسيين من حقوقهم الدستورية. إجراءات الطوارئ تعني أن تدهم الشرطة البيوت من دون إذن قضائي، وأن تستطيع فرض إقامة جبرية على المشتبه بهم، وأن تطلب كلمة السر لفتح الهواتف الخليوية وكومبيوترات الناس خارج سلطة القضاء.

لا أعتقد أن ماكرون يريد أن يصبح ديكتاتوراً، وهو لا يحتاج إلى ذلك فعنده من التأييد ما يمكّنه من تحقيق أهدافه كما يريد. أعتقد أن فرنسا سترى مع ماكرون أياماً أفضل، ولعله يستطيع أن يقمع الإرهاب فهذا إنجاز أقدّمه على أي إنجاز آخر. لا أقول اليوم سوى أننا سنعيش ونرى.