محمد علي فرحات

تلقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التهاني من قادة عرب وأجانب بعد إعلانه النصر على «داعش» في الموصل، لكن قائد التحالف الدولي الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند لجَمَ اندفاعة النصر حين أشار إلى جيوب لـ «داعش» في الموصل تحتاج أسابيع للقضاء عليها إذا لم تحدث مفاجآت، وفي قوله إن المعركة تتطلب أيضاً تحرير تلعفر والحويجة وما تبقى من الأنبار (القائم وعانة وراوة).

هذا لا يمنع رمزية القضاء على وجود «داعش» في الموصل التي شهدت خطبة خليفته وإعلان «الدولة». ولكن مشهد المدينة المدمرة يؤشر إلى مسؤولية نوري المالكي وضباط صدام حسين المعزولين الذين انكفأوا إلى حقدهم المحدود الأفق والقيادة الأميركية التي لم تقدّر عواقب سياسة المالكي الطائفية المؤدية إلى «انفصال» معظم العراق عن الدولة المركزية وتهديد بغداد بالسقوط. هذا الدمار العظيم يحكم بالإعدام السياسي على المتسببين به، ويدعو العبادي وقادة العراق الموالين والمعارضين إلى التحلي بالحكمة، والعمل على استعادة شعور وطني جامع فقده سياسيو العراق ما قبل صدام حسين ومعه وفي مرحلة الغزو الأميركي وتحطم الدولة بشقيها المدني والعسكري.

الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب هي التي حررت الموصل ولم يشارك «الحشد الشعبي» أو لم يسمح له بالاشتراك. لكن اللافت هو كلام كل من قاسم سليماني والسيد حسن نصرالله اللذين شكرا المرجع الشيعي السيد علي السيستاني على تحقيق النصر في الموصل، في تذكير بفتواه التي أدت إلى تشكيل قوات الحشد الشعبي. كلام سليماني ونصرالله يعبر عن ميل إيراني إلى تحويل الجيوش فرقاً عقائدية، بحيث يتحلى الجندي بمعنويات دينية ويتخلى عن معنوياته الوطنية المرتبطة بالدولة الحديثة. بذلك تتجهز الفرق العقائدية لحروب داخل الوطن وخارجه في مواجهة مسلحين ينتمون إلى عقائد مختلفة أو معارضة أو معادية. وليست إيران وأنصارها وحدهم من يذهبون هذا المذهب في تكوين الجيوش، بل إن تركيا أردوغان التي تضم جيشاً من الأكثر عدداً وعدة في حلف الأطلسي تريد إدخال آلاف رجال الدين إلى المؤسسة العسكرية لتطويعها معنوياً في إطار الإسلام السياسي بحسب أيديولوجيا «الإخوان المسلمين»، لتؤدي وظيفة جيش السلطان العثماني الجديد داخل الدولة التركية وخارجها.

واللافت أن سليماني ونصرالله امتدحا السيستاني على رغم كونهما تابعين عقائدياً للمرشد علي خامنئي، وعلى رغم أن النفوذ الإيراني في العراق يعتبر السيستاني عنصراً معوقاً لكونه من دعاة استقلال العراق وتقليص نفوذ المتدخلين الأجانب في شأنه، خصوصاً الإيرانيين. أيكون هذا المدح نوعاً من التودد للشيعة العراقيين الذين لا يتركون فرصة إلاّ ويعبّرون خلالها عن ضيقهم بالتدخل الإيراني المؤثر سلباً في صورتهم أمام شركائهم في وطن متعدد الأديان والطوائف والأقوام اسمه العراق؟

الحرب على «داعش» في ما تبقى من مناطق وجوده في العراق وفي سورية، تتطلب من قادة البلدين في الحكم والمعارضة توجيه الشكر الذي نسي البعض توجيهه إلى الأميركيين، فهم الذين ساهموا بالطيران وبالمراقبة وبالاستخبارات في الهزائم المتلاحقة للتنظيم الإرهابي.

ولا تزال الحرب بعيدة من نهاياتها كما يقول الجنرال تاونسند، ما يستدعي المحافظة على أوسع نطاق من التحالفات للوصول إلى نزع الإرهاب من جذوره لئلا ينبت خلفاء للبغدادي ولتنظيمه. وهذا يتطلب، في حال العراق، مساراً سياسياً يستند إلى المشاعر والمصالح الوطنية المشتركة الطالعة من مآسي الحروب الدينية والعشائرية المجانية. ثمة مشتركات جامعة بين العراقيين أكثر أهمية من المشتركات الفرعية بين كل جماعة وشبيهتها في العصبية الدينية في دولة قريبة أو بعيدة.

وفي حين تُحسب للحكومة العراقية قدرتها على الجمع بين النفوذين المتناقضين الأميركي والإيراني، المطلوب اعتماد هذه المهارة السياسية في إقناع الدول المجاورة ذات النفوذ بتوجيه مطالبها إلى الحكومة المركزية العراقية وحصر العلاقة بها، وأن يترك العراقيون ليرمموا ما يجمعهم ويستعيدوا نتف المشاعر الوطنية المحطمة لإعادة تكوينها والاستناد إليها لإصلاح الحاضر والتخطيط لمستقبل أفضل.