جيري ماهر 

عندما تنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان، فإنك تشعر بالإحباط نتيجة التنازلات المتتالية لقوى الرابع عشر من آذار لمصلحة حزب الله الإرهابي وحلفائه، كانتخاب رئيس للجمهورية من فريقهم السياسي، وفرضهم معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وهي معادلة لم يعد أي لبناني مؤمنٍ بحرية وسيادة واستقلال وطنه يؤمنُ بها، خصوصا بعد مشاركة حزب الله في الحرب السورية، وتطاوله المستمر على دول شقيقة ومساندة وداعمة للبنان، والآثار السلبية التي تسبب فيها هذا الحزب للاقتصاد اللبناني. 


فبعد أن كان لبنان يستقطب ملايين السياح من الخليج، ينفقون فيه ملايين الدولارات، مما ينعكس إيجابا على المؤسسات السياحية والفنادق والمطاعم، وكل المرافق في الدولة، أصبح لبنان يبحث عن تصحيح العلاقات مع الدول الشقيقة، وتشجيعهم على العودة إليه دون أي نجاح في تحقيق هذا الهدف، نتيجة سطوة وتسلط حزب مسلح على طريق المطار ومعظم مرافق الدولة، إضافة إلى التهديدات المبطنة للسياح الخليجيين بالخطف أو القتل في حال قيامهم بزيارة هذا البلد. 
إن استمرار حزب الله الإرهابي في التعنت والتصعيد واستخدام سلاحه وشباب لبنان في حروب هنا وهناك، يضع البلد في مواجهة مفتوحة ليس مع دول الخليج فقط، بل مع المجتمع الدولي الذي يرى في مثل هذه التصرفات خطرا على الشعب اللبناني ومؤسساته وحكومته وسياسته، وحتى الديمقراطية فيه، والتي أصبحت مهددة بالانقراض نتيجة التهديدات التي يطلقها إعلاميون تابعون للحزب في صحف كثيرة، ينقلون رسائل تهدد بقتل كل من يعترض على سياسة ودور الحزب في لبنان والمنطقة، ومؤخرا مشاركة هذه الميليشيا الإرهابية في معركة جرود عرسال ضد تنظيم إرهابي آخر، مما يعدّ إنقاصا لدور الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية التي تحصل على دعم دول العالم لفرض وتثبيت شرعيتها على كل الأراضي اللبنانية. 
إن استمرار الحزب في هذه التصرفات الطائشة سيقود المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات اقتصادية على بلد أثقلته الديون التي زادت حروب حزب الله العبثية من حجمها، ولم يعد بعيدا إعلان لبنان رسميا عن إفلاسه بسبب الضائقة المالية التي يعانيها على كل المستويات. فنسبة الاختلاس والفساد في مؤسسات الدولة مرتفعة، وكلٌّ يبحث عن مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة للدولة اللبنانية، إلا من رحم ربي. 
لقد عاد سعد الحريري إلى لبنان ليجده في أسوأ أوضاعه الاقتصادية والسياسية، فعمل جاهدا على إعادة ترتيب البيت الداخلي، والبحث عن حلول لجميع الأزمات من انتخاب رئيس للجمهورية إلى إقرار قانون للانتخابات، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وتأمين فرص عمل للمواطنين اللبنانيين، واحتواء أزمة اللاجئين السوريين، وتأثيرهم على الاقتصاد اللبناني المنهار أصلا، إضافة إلى مواجهة الإرهاب والحروب المحيطة بلبنان، كل هذه الملفات وُضِعت على طاولة سعد الحريري، فكان قراره الشجاع بتحمل المسؤولية وقيادة العملية السياسية والاقتصادية والأمنية، فتحول هذا الشاب إلى ورشة عمل تنتقل من فقرة إلى أخرى عسكريا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا وإنمائيا، فوضعت حكومته خططا كثيرة بدأ العمل بها، وتحرك الحريري بين الخليج ودول العالم باحثا عن الدعم لجمهورية تواجه لتبقى، وتناضل لتستمر، وتقاتل لتنمو وتحقق الإنماء والتوازن في الاقتصاد والسياسة والأمن. 
لبنان مع القبطان سعد الحريري، ينتقل بخطوات دقيقة ومدروسة إلى بر الأمان، ولكن البحر الذي يخوضه يواجه قراصنة من أشكال وعقليات مختلفة، ولكنه -وبحنكة سياسية ورثها عن والده الشهيد رفيق الحريري- استطاع الصمود والحفاظ على سفينته وشعبه من الغرق، ورغم استمرار البعض في إحداث الثقوب فيها كلما خاضت في البحر أكثر، إلا أنه يجد دائما الحلول من المؤمنين بلبنان السيد الحر المستقل، فيغلقون هذه الثقوب ويعطونه دافعا أقوى للإبحار بهذه السفينة، وإيصال لبنان إلى بر الأمان، ناقلا معه إلى جانب شعبه آلاف السوريين الهاربين من حقد وإرهاب النظام السوري، وآلاف الفلسطينيين الضيوف في لبنان حتى عودتهم إلى أراضيهم، إن كانت سورية أو فلسطين.
نعم، إنه سعد الحريري، ابن الشهيد رفيق الحريري، الذي يقود سفينة لبنان بمساندة من نادر المستشار المحنّك في السياسة والاقتصاد، الشاب الهادئ الذي يرسم خطوات دقيقة لرحلة انطلقت قبل أشهر، ومستمرة بين البحر الأبيض المتوسط والأطلسي وخليج العرب، ولا يعرف أحد أين يمكن أن ترسو، ولكن الأكيد اليوم أن هذه السفينة ستصل إلى بر الأمان بالشعب اللبناني، لأن روح رفيق الحريري لن تسمح لها بالغرق، وشغف سعد الحريري لن يسمح لها بالإبطاء أو التراجع، وحكمة نادر الحريري لن تتوقف عن إيجاد الحلول كلما أصاب القبطان وفريقه الوزاري أي أمواج عاتية تمنعهم من تحقيق رغبات الشعب اللبناني، بعلاقات ممتازة مع أشقائهم في الداخل اللبناني والخليج العربي والأصدقاء في العالم.
لم يبق اليوم أمام القبطان إلا أن يضبط الداخل، ويمنع من يحمل السلاح بحجة المقاومة، والفساد والاختلاس والتزوير، والاتجار بالمخدرات والتهريب والقتل والخطف، من الاستمرار في ركوب هذه السفينة، لأنه سيعمل حتى الرمق الأخير على إغراقها ولا يمكن لمن يحمل شعلة رفيق الحريري المكلل بالأرز أن يسمح بذلك تحت أي ظرف، فلبنان كان وسيبقى ويستمر بلد التعايش والتآخي والمحبة، والصدر الرحب في استقبال أشقائه وكل أصدقائه في العالم، ولن يكون يوما ذلك البلد المنبوذ والمتروك لمصيره المجهول. 
عندما يسألوننا اليوم: لبنان إلى أين؟ 
بثقة وإيمان رفيق بهاء الدين الحريري نقول: بدعم الأشقاء في الخليج العربي، وإيمانهم ومحبتهم ومساندتهم.. إلى بر الأمان الحريري.