عبدالله العوضي

في زمن يقل فيه رجالات دولة وزعماء شعوب، يطل علينا رجل القرن زايد لإكثار الخير في المِلِّة وإمداد الإنسانية بوقود الحياة الهانئة والمستدامة.

في تاريخ الرجال عبر مختلف العصور والحضارات، هناك شخصيات تحسب على الأمة وأخرى تحسب على الدولة، وإذا تميز أحدهم في مسار ما يطلق عليه التاريخ بعد رحيلهم إما أنهم رجال دولة أم رجال أمة، هذا في سالف الأزمان.

أما زايد رحمه الله فلم يختلف عليه التاريخ المعاصر على قولين لأنه نال شرف ومقام المنزلتين، فهو رجل أمة ودولة وحْدَه بلا منازع، فإذا قرأت عنه في الشرق أو الغرب، فالمنصف الحصيف لا يقول لك إلا أن زايد رجل لا مثيل له في التاريخ المعاصر.

أسمعت برجل من قلب الصحراء القاحلة يدعو إلى وحدة كاملة من أجل استدامة الشعوب في نمائها وحيويتها وبنائها الحضاري للحيلولة دون الشتات والفرقة ومن ثم الانقراض وإنْ بقيت من بينها أفراد لا قيمة لهم ولا وزن في التاريخ المتقدم على مستوى تقدم الدول والحضارات.

فحكمة هذا العظيم في سجاياه تقدمت على كثير من الأفكار السائدة منذ أوائل القرن العشرين، ففي أواخر الستينيات بزغ في ذهنه نجم الاتحاد التساعي الذي توقد في قلبه وحرك فكره النير للسعي من أجل عدم أفوله وسقوطه من بين يديه.

فصقل عقله ودار فكره واتسع صدره يلُمّ شتات القبائل وفرقة القلوب المنفصلة عن واقعها الصعب وقلة الموارد والإمكانات وكثرة الأطماع الأجنبية والجَنْبِيَّة في آن واحد لضرب وحدة الجزيرة العربية في مقتل.

فلم يقبل حكيم العرب بهذا الوضع جملة وتفصيلاً، فعرض جماع فكره الوحدوي على شيوخ القبائل ممن لهم الكلمة الفصل مع أفرادهم والموالين لهم، هلمَّ إلى الوحدة قبل أن تقضي علينا سباع الطامعين فنذهب جميعاً ضحايا هذه الحالة من الفرقة والاختلاف على المرعى والكلأ.

عظمة زايد تكمن في بناء قواعد التأسيس الصعبة والتحديات الجمة من الداخل قبل الخارج، فإقناع الإمارات المتصالحة آنذاك ومعها قطر والبحرين لم يمر على زايد مرور الكرام، بل مر بالكثير من العوائق على طريق الاتحاد.

لقد وجد زايد رفيقاً للطريق كله وليس نصفه راشد الرُّشد في طبعه والحنكة في تصرفاته وتدبير أمور داره الحي في حياته، يقاسم أخاه الطموح ذات الهدف السامي في السعي نحو الاتحاد، وعندما ضنت بهم السبل وطال بهم درب التشاور والتحاور مع زعماء ورؤساء الإمارات الأخرى، قررا إذا لم يستدرك الآخرون خطورة الموقف في عيش الشتات أن يبدأ باتحاد ثنائي بين أبوظبي أرض الظبي ودبي دار الحي.

وما أن نما هذا الخبر المفاجئ والسار إلى أذهان الآخرين، حتى توافدت الإمارات الأخرى من الشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة وتخلف رأس الخيمة والبحرين وقطر عن هذا النهج الذي شد فيه العزم زايد وراشد بلا تردد قيد أنملة، حتى الوصول إلى ساعة الصفر في 2-12-1971 للإعلان عن ولادة صرح رفع زايد به شأن الدولة الاتحادية السداسية إلى أعلى ذرى العالم، وبعد أشهر قليلة اكتمل عقد الدولة بانضمام رأس الخيمة إلى الركب وإنْ تخلفت البحرين وقطر اختياراً واختباراً لإرادتها الذاتية ولم يتدخل زايد فيهما وتركهما كما هو حالهما اليوم، حتى أدخل زايد الجميع ومع الشقيقة السعودية إلى منظومة دول مجلس التعاون فتحقق حلم الاتحاد السباعي والتعاون السداسي وهو على قيد الحياة وقد غادرنا وفي رؤيته المستقبلية الحلم الأكبر في وحدة خليجية عصية على النفوذ الإيراني والعصيان القطري الذي يريد أن يودي بهذا الكيان وبأي ثمن. فكم من الحروب جرت على عهد زايد إلا أن بنيان الوحدة لديه لم يهتز شعرة ولم تفت في عضده أبداً.

فحُق لزايد أن يُكرَّم ويوفي حقه من زعيم التمكين خليفة بعد تسلم راية التأسيس من والده لكي يحظى بعام كامل تقديراً لمشعل الخير الذي رفعه زايد على رأس الإنسانية بالسماحة والعرفان لكل أجناس البشر على وجه البسيطة، فكان زايد لنا وطناً ولا يزال.