زاهي حواس

 لم يحاول المصريون القدماء في عصر الدولة الحديثة منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، أن يهتموا بأصل «أبو الهول»‏؛ حيث كان لديهم اليقين بارتباطه بالشمس، وفي أحيان أخرى كان هو نفسه «رع»؛ إله الشمس عندهم.

‏ وكان أول من نعرف أنه جاء لزيارة «أبو الهول» الأمير أمنحوتب الثاني ابن الملك الشهير تحتمس الثالث المعروف باسم «نابليون العصر القديم»‏؛ وقد ترك الأمير أمنحوتب الثاني لوحة داخل معبده شمال شرقي «أبو الهول» تشير إلى أنه كان مغرماً بركوب الخيل وهو شاب صغير السن، ووشى به مدربو الخيول لخوفهم على الأمير الصغير، وأخبروا أباه الملك بما يفعله الأمير‏؛‏ ولكن تحتمس الثالث كان فخوراً بابنه الذي سيتولى الحكم من بعده، وقدرته على القيام بألعاب على الخيول؛ وأمر الملك أن يذهب أمنحوتب في رحلة بالخيول إلى الأهرام و«أبو الهول»، وتبعه الأمير تحتمس الرابع قبل أن يصبح ملكاً ونام بجوار التمثال الذي قيل إنه ناداه في الحلم، وأمره بأن يزيل الرمال التي تخنق جسده، ووعده إذا ما فعل ذلك بأنه - أي «أبو الهول» - سوف يجعله ملكاً على مصر‏.‏ وقد شرحنا من قبل في أكثر من مقال أن هذه القصة المعروفة باسم «قصة الحلم» لها مغزى سياسي‏؛ لأنه؛ أي الأمير تحتمس، لم يكن صاحب الحق الشرعي في الحكم، وقيل إنه قتل أخاه الوريث الشرعي‏؛‏ لذلك أراد أن يشير إلى أن «أبو الهول» قد اختاره ملكاً حتى يقبل الشعب بقرار الإله وينسى الجريمة التي اقترفها تحتمس‏.

جاء بعد ذلك الملك سيتي الأول أبو الملك رمسيس الثاني وترك لوحة في معبد أمنحوتب الثاني، وشرح لنا عالم الآثار الراحل سليم حسن في كتابه عن «أبو الهول» بالإنجليزية والعربية، أن «أبو الهول» كان هو المكان الذي يصلي فيه الناس‏.‏ وفي عام ‏500‏ قبل الميلاد‏؛ أي في عصر الأسرة السادسة والعشرين؛‏ ترك الفراعنة لوحة أطلق عليها «لوحة الإحصاء»‏؛ أو «لوحة ابنة خوفو»، وأشاروا فيها إلى أن الملك خوفو وجد «أبو الهول» عند هضبة الجيزة، وهذا يعني أن «أبو الهول» يرجع إلى عصر قبل عهد الملك خوفو، ولكن اتضح من تصوير مناظر الآلهة الممثلة على اللوحة والنصوص المصاحبة لها‏؛ أنها كتبت في العصر المتأخر‏؛ وحاول الكهنة أن يشيروا إلى أن إيزيس و«أبو الهول» ترجع عبادتهما إلى ما قبل عهد خوفو، أي في الأسرة الثالثة من عصر الدولة القديمة‏.‏
وجاء المؤرخ الروماني بليني في عام ‏23‏ قبل الميلاد،‏ لزيارة «أبو الهول»، ولم تكن لديه أي معلومات عن أصل «أبو الهول»، لذلك فقد أشار إلى أنه قبر للملك أمازيس من ملوك العصر الصاوي‏؛‏ وعدّ أن مكان «أبو الهول» ملتقى للشعراء والمحبين‏؛‏ ويعيش بجواره أهالي قرية بوزيريس؛ وهي «نزلة السمّان» الحالية‏.‏ ثم جاء بعد ذلك المؤرخون العرب القدامى أمثال عبد اللطيف البغدادي‏؛‏ واعتقد أن جثمان «أبو الهول» مدفون أسفل التمثال‏؛ وأشار المقريزي إلى أن أنف «أبو الهول» هشّمه المتصوف «صائم الدهر» الذي كان يعيش بجوار هذا «الصنم» الذي كان ينظر إليه الناس نظرة تقديس في ذلك الوقت‏؛ فقام وأعد العدة لتهشيم وجه التمثال، ويبدو أنه شرع في العمل ولم يتمّه بسبب عاصفة ترابية، كما يذكر المقريزي. وتحدث علي باشا مبارك في كتابه «الخطط التوفيقية» عن تمثال «أبو الهول»‏،. وأشار القضاعي إلى «هذا الصنم الذي يقع بين الأهرام ولا يظهر منه غير الرأس»‏؛ وإلى أن أنفه قد هشّمه رجل من مراكش‏.‏