المملكة وخدمة الحجاج.. متلازمة تاريخية أثبتت تفوقها

علي بن حمد الخشيبان

منذ الربع الأول من القرن الماضي استطاع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أن يثبت للعالم أن السعوديين يملكون من القدرات الكفيلة لإثبات أن الأماكن المقدسة تدخل مع العهد السعودي تاريخا جديدا، حيث جعل من خدمة الحرمين الشريفين أحد أهم مبادئ القيادة السعودية عبر أكثر من قرن من الزمان، عمل أبناء الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على ترسيخ المكانة التاريخية للحرمين في خارطة المملكة العربية السعودية، واعتبر موسم الحج أحد أهم الفترات التي تجند فيها الحكومة السعودية ما يزيد على نصف مليون سعودي لخدمة مليونين من الحجاج سنويا.

عبر التاريخ نظرت المملكة إلى أن خدمة الحجاج والمعتمرين شرف عظيم لكل فرد يسكن فيها، وهذه الرؤية صاغت الكيفية التي تعمل بها المملكة من أجل الحرمين..

السعودية وعبر تاريخها الطويل أثبتت للعالم أن وجود الحرمين الشريفين ضمن أراضيها وجغرافيتها وتاريخها، يوجب عليها النظر بعمق إلى هذه المقدسات كونها تشكل قبلة للمسلمين وهدفا للزيارة وأداء المناسك لدى كل مسلم على وجه الأرض، ومنذ عهد مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز والسياسة السعودية الخاصة بزيارة الأماكن المقدسة تقوم على مبادئ راسخة تتمثل في تقديم أقصى وأرقى الخدمات وفق أعلى المعايير لكل زائر وراغب في أن يؤدي مناسكه الدينية.

هذه المهمة ليست مجرد شعارات سياسية، فالحج والعمرة مناسك تتطلب الكثير من الخدمات المتنوعة لكي تؤدى بكل أمن واستقرار،عبر السنوات أصبحت خدمة الحرمين جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المجتمع السعودي بأكمله، وليس القيادة السعودية فقط، بل إن ثقافة خدمة الحجيج من أقوى الثقافات الراسخة لدى كل سعودي، وهذه دلالة على أن القيادة السعودية جعلت من خدمة الحجاج والمعتمرين منطلقا لكل مساراتها التنموية.

عبر التاريخ نظرت السعودية إلى أن خدمة الحجاج والمعتمرين شرف عظيم لكل فرد يسكن في السعودية، وهذه الرؤية صاغت الكيفية التي تعمل بها السعودية من أجل الحرمين،فليس هناك حدودو مالية أو تنموية أو تسهيلات عندما يرتبط ذلك بالحرمين الشريفين فكل الإمكانات مسخرة بلا توقف من أجل خدمة المسلمين دون استثناء مذهبي أو طائفي، فكل مسلم في هذا العالم له الحق في أن يتمتع بخدمات عالية المستوى على هذه الأراضي المقدسة سواء في مكة أو المدينة.

تاريخ طويل من العمل المتواصل في سبيل خدمة الحجاج والمعتمرين عبر قيادات سعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وحتى اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- حيث عملت السعودية عبر هذا الزمن على تقديم كل ما لديها من إمكانات متنامية عاما بعد آخر، ولقد رصد هذا التاريخ أن السعودية وخدمة الحرمين الشريفين أصبحت متلازمة تاريخية تفوقت على كل التوقعات، فما عملته السعودية في خدمة الحرمين الشريفين خلال المئة عام الماضية يضاهي تاريخيا مراحل كثيرة عبر أربعة عشر قرنا من الزمن، فالدولة السعودية سياسيا شكلت النموذج الوحيد عبر التاريخ الذي تكونت جغرافيته على أرض السعودية التي تشغل الجزء الأكبر من الجزيرة العربية، وسخرت كل إمكاناتها وثرواتها من أجل خدمة الحرمين وأصبح الاسم الرسمي لملك المملكة العربية السعودية "خادم الحرمين الشريفين".

هذا العمق وهذا الرسوخ في خدمة الإسلام والمسلمين ساهم في فشل كل المحاولات التاريخية لتسييس الحج، ولم تستطع الكثير من الدول النجاح في محاولاتها لتسييس الحج، ولعل أكبر الأسباب في ذلك أن السعودية تعاملت مع الحرمين الشريفين وفق أسس هدفها خدمة الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى وليس من أجل مصالح سياسية أو ثقافية.

المحاولات اليائسة نحو تسييس الحج من بعض الدول يتطلب من تلك الدول فهم التاريخ وفهم المنهجية السياسية التي تتعامل بها السعودية مع المقدسات الإسلامية؛ فالسعودية وخدمة الحجاج والمعتمرين أصبحت متلازمة تاريخية تفوقت بكل اقتدار على كل المحاولات اليائسة لتغيير مسار التاريخ، فالمملكة العربية السعودية اليوم قائد إسلامي وعربي ومؤثر دولي يتطلع إليه كل المسلمين في العالم.