عبدالله بن بخيت

يدور في المنتدى السعودي الثقافي توتير حديث عن ثلاثة أمور في غاية الخطورة: العلمانية والديموقراطية والليبرالية، وفي الهشتاق المجاور الذي لا يبعد عنه أكثر من ثلاثة سنتيميترات يدور حديث آخر عن الجن والعين والسحر. ثلاثة مقابل ثلاثة، تعادل إيجابي حسب لغة معلقي الرياضة.

ثلاثة قرون تفصل العلمانية عن المتجادلين حول العلمانية في النت وثلاث طبقات من الأرض تفصل المتجادلين حول الجن عن الجن، مسافات زمنية ومسافات أرضية، لا أعلم أيهما أسرع وأفضل: هل نتحرك أولا في فضاء الزمان وننتهي من العلمانية أم نتحرك في فضاء العالم السفلي ونخلص من مشاكل الجن أو ندمج بين الحراكين بطريقة أو أخرى.

من وجهة نظري بعثرت الجهود ستقلل من الفوائد، يتوجب أن يجتمع المتجادلون حول الجن والمتجادلون حول العلمانية على قضية واحدة وإطار عمل واحد يصبون جهودهم فيه. إذا قارنا بين العلمانية وبين الجن سنجد أن الأقرب والأسهل لنا أن نبدأ نقاش قضية الجن أولا وإذا خلصنا من قضية الجن جئنا بقضية العلمانية وإذا خلصنا من قضية العلمانية ننتقل إلى السحر ثم نعود إلى الليبرالية وهكذا، واحد من هنا وواحد من هناك بذلك نتأكد أننا أصبحنا قادرين أن ننهى أي قضية خطيرة تعترض سبيلنا بهاشتاق أو هاشتاقين أو حتى بثلاثة إذا "عصلج" الموضوع.

ثمة اختلاف بيننا وبين الغرب يتوجب أخذه في الاعتبار، النقاش الذي دار في أوروبا حول هذه القضايا يختلف إجرائيا عن النقاش الذي يدور اليوم على توتير. لم يكن المفكر الأوروبي يدلو بدلوه بسطر أو سطرين في تويتر، كان النقاش يأتي على شكل أبحاث ودراسات وندوات وصالونات، يديره أساتذة الجامعات والفلاسفة والكتاب المعتبرون في الصفحات الثقافية، الأمر الذي لم يسمح للشوارعيين من حثالة أوروبا الدخول والتعليق أو حتى فرصة التخاطب مع المحترمين حول قضايا كهذه كما يحدث في منتدى تويتر اليوم.

استهلكت أوروبا قرنين من الزمان لتصل إلى النتائج التي تعيشها اليوم، زمن طويل جدا، وسيكون أطول إذا أضفنا إليه الدماء التي روت سهوب القارة الأوروبية للوصول إلى ذلك. ولكن من يعلم لعل طرح القضايا الكبيرة على توتير، تغريدة من هذا وتغريدتان من ذاك وبمداخلات وشتائم حثالة توتير نختصر الزمن ونوفر الدماء لسد احتياجات داعش. عندئذ سيسجل التاريخ أننا أكثر ديموقراطية من الأوروبيين حتى قبل أن نكون ديموقراطيين.