يوسف القبلان

لا يختلف الناس على مفهوم العنصرية أو تعريفها. هي سلوك يلاحظونه في كل مكان وزمان. مصدر هذا السلوك اعتقادات خاطئة متوارثة ترسم الفوارق بين الناس وتقرر تفوق جنس على آخر، أو تميز إنسان على آخر بمعايير واهية غير منطقية.

العنصرية مشكلة عالمية تطل بوجهها القبيح في كل مكان وفي كل المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية. الحاضر الغائب في هذه القضية هو القانون، وتطبيق القانون.

إن الحرية والسلام والعدل قيم لا تتحقق بوجود العنصرية، فالعنصرية جريمة ضد الإنسانية، وهي موجودة في كل المجتمعات. الفرق بين مجتمع وآخر هو في وجود القوانين وتطبيقها. وقد تصدر العنصرية من الأفراد وأحياناً تكون الدول مصدرها كما هو الحال في قيام إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري مع زعمها بأنها دولة ديمقراطية تراعي حقوق الإنسان وتحترم حريته واستقلاله!

يعمل العالم على مكافحة العنصرية متسلحاً بالدين والتوعية والقانون، مستعيناً بالتعليم والإعلام والمناسبات الاجتماعية والثقافية والرياضية لهذا الغرض.

في الرياضة على سبيل المثال، تعد الرياضة أحد المجالات التي تستثمر لمحاربة العنصرية. ومع ذلك تحصل بعض الممارسات المخالفة. من ذلك مثلاً ما حدث أثناء مباريات كأس العالم لكرة القدم عام 2006 في ألمانيا.

كانت لوحة مكافحة العنصرية في تلك المناسبة هي أجمل اللوحات، وأجمل منها أن يتحدث الكبار مع الأطفال عن معاني هذه اللوحة وأهدافها. وهي معانٍ وأهداف لا تؤثر فيها حرارة التنافس بين اللاعبين داخل الملعب، ولا نتائج المباريات أو انفعالات المدربين.

في تلك الأثناء جاءت الصدمة من الكبار (القدوة) فقد تشوهت الأجواء الجميلة بتصريح من عضو في مجلس الشيوخ في دولة أوروبية وصف فيه منتخب دولة أوروبية أخرى بأنه يتألف من مجموعة من اللاعبين السود والمسلمين والشيوعيين!

كان من الطبيعي أن يحتج سفير الدولة المهانة على ذلك التصريح المعبر عن عنصرية مرفوضة بكل المعايير. هذه العنصرية وغيرها من المواقف التي تنشر الكراهية بين الناس مثل الطائفية تؤثر سلباً على العلاقات الإنسانية داخل المجتمعات وبين المجتمعات كما تؤثر على العلاقة بين الدول، وحين تصدر من أشخاص يفترض أنهم قدوة للنشء فهذا يجعلها أكثر خطورة. لكن البعض ينطبق عليهم المثل القائل: الكلام بلا تفكير كرمي السهام بلا تصويب. وصدق الشاعر حين قال:

جراحات السنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللسان

هل طُبق القانون على عضو مجلس الشيوخ، أم اعتذر وانتهى الموضوع؟

القيم الدينية ترفض العنصرية وكل ما يعزز فكر الاقصاء والتعصب والتكفير. وفي المجتمع المسلم دستور عظيم قضى على آثار الجاهلية وعزز حقوق الإنسان ومبادئ العدل والمساواة. وإذا كانت بعض الممارسات تتنافى مع قيم الدين الإسلامي فلا بد من سن قوانين تتعامل مع العنصرية والطائفية والكراهية والتكفير والتعصب وتصنيف البشر.

إن الحرية والسلام والعدل قيم لا تتحقق بوجود العنصرية، فالعنصرية جريمة ضد الإنسانية، وهي موجودة في كل المجتمعات. الفرق بين مجتمع وآخر هو في وجود القوانين وتطبيقها. وقد تصدر العنصرية من الأفراد وأحياناً تكون الدول مصدرها كما هو الحال في قيام إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري مع زعمها بأنها دولة ديمقراطية تراعي حقوق الإنسان وتحترم حريته واستقلاله! وهنا أيضاً تقف الأمم المتحدة عاجزة عن تطبيق القانون!

في عالم السياسيين، وحين يتحدث مسؤولون سياسيون بفكر عنصري فهذا يتنافى مع الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها الدول التي ينتمي لها هؤلاء العنصريون. فالدول الأعضاء في الأمم المتحدة وقعت على معاهدات حقوق الإنسان ورفض العنصرية بكافة أشكالها. وهنا أيضاً تكمن المعضلة في تحول (القدوة) إلى مصدر للعنصرية! ويجبن القانون أمام هذا النوع من العنصرية.

العالم بحاجة الى قدوة -قولاً وعملاًِ- في مجال مكافحة العنصرية والكراهية. المجتمع المسلم مؤهل أن يكون قدوة للعالم في إشاعة المحبة والعدل والسلام واحترام حقوق الإنسان.

القيام بهذا الدور يتطلب خلو المجتمع الإسلامي من الفكر العنصري فإذا وجد هذا الفكر وتحول إلى ممارسات فالمنتظر من مؤسسات المجتمع الوقوف أمام المرآة للتقييم الذاتي والاعتراف بوجود المشكلة من أجل وضع الحلول الثقافية والقانونية المناسبة. ومن المهم في هذا المجال تطوير الخطاب الديني واستثمار المسجد للتوعية والتثقيف.

أما التوعية كوسيلة لمكافحة العنصرية وغيرها من سلوكيات تبث الكراهية بين الناس فهي بحاجة للتطوير بحيث تبدأ من مرحلة الطفولة من خلال برامج تربوية نظرية وعملية لبناء عقول تحترم الإنسان وتعزز ثقافة المساواة بين البشر. وكما يقول أحد الباحثين (لا تنبع التفرقة العنصرية من البشرة بل من العقل البشري، وبالتالي فإن الحل للتمييز العنصري والنفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواه ينبغي أولاً وقبل كل شيء أن يعالج الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة على مر آلاف السنين عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية.