حسين شبكشي

 اتفاق علني وتعاون صريح تم الإفصاح عنه بين أخطر تنظيمين إرهابيين «حزب الله» و«داعش» في عملية إخلاء وخروج مقاتلي «داعش» بعد حصارهم من «حزب الله». ولا يزال حتى هذه اللحظة يعاني الحزب وأبواقه الإعلامية من تبعات «الفضيحة الكارثية»، بل ما زاد الطين بلة هو طلب «حزب الله» من المجتمع الدولي «حماية» قوافل مقاتلي التنظيم الإرهابي «داعش»، ودفاعه المستميت وتبريره المتواصل لتلك الاتفاقية الفضيحة والمريبة.

لم يعد «حزب الله» من الإجهار بتعاونه مع التنظيمات الإرهابية، ولا تهديد معارضيه بالموت، ولا بالتعاون مع الأنظمة الطاغية، كل ذلك من الممكن أن يبقى مشكلة لبنانية «داخلية» خالصة، ولكن «حزب الله» أصبح امتيازا عابرا للحدود (فرانشايز) يوجد في كل بلد تقريبا في العالم العربي، وتحول إلى ما يشبه الوباء المدمر، لم يسلم من خبثه أي بلد حتى الآن. وهذا المشهد البائس الحزين المخيف هو في نفس الوقت مراءٍ واقعية وحقيقية لحالة لبنان نفسه، وحالة الهبوط والإنزال التي أصابته، وتحديدا حالة الـdown grade.
عشت في لبنان مطلع حياتي ودرست في مدارسه، وكنت مع والدي أحضر لقاءاته مع قامات لبنان الحقيقية، أسماء راقية ومحترمة من أمثال حسين الحسيني وغسان تويني وتقي الدين الصلح ورشيد الصلح وعثمان الدنا وحسين منصور وصائب سلام وغيرهم. كان لبنان فيه من الرموز والمؤسسات ما يستطيع الافتخار بها، ولكن مع الوقت سمح لنفسه أن يختطف من قبل «مرتزقة» مشروع ولاية الفقيه، ويجبروا البلد بقوة السلاح ومع كامل الصلاحيات على الانصياع لهم.
لبنان اختطف وتم «تخديره»، حتى لبنان «الجبل» بموارنته ودروزه تم خطفهم بعد تهديدهم بمصير أسود لتتحول مع الوقت إيقونة الجبل من الأمير «فخر الدين» إلى الإمام «الخامنئي»، ويبقى ما حصل من تهديد وتحول كامل للموقف الماروني في لبنان هو لغز الألغاز، لأنه أعطى تنظيم «حزب الله» الإرهابي الغطاء السياسي والشرعية الشعبية التي كان تواقاً إليها.
لبنان قبل أن يتغير في أيقوناته من فيروز إلى حسن نصر الله، ومن جبران خليل جبران إلى وئام وهاب استمرارا في مسلسل الهبوط القسري الذي يمر به. كل ذلك مقبول كما أسلفنا إذا ظلت المسألة شأنا داخليا، ولكن غياب الدولة في لبنان وعجزها عن القبض على مطلوبين للعدالة لاتهامهم بقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفقائه، وهم يقبعون في حماية مرتزقة «حزب الله» الإرهابي، أو يستطيعون القبض على أصحاب مزارع الحشيش في البقاع لأنهم تحت «حماية» تنظيم «حزب الله» الإرهابي، وعوائد هذه المزارع تذهب لخزانة التنظيم كما بات معروفا، ولكن هذا العجز كانت ترجمته تمادي «حزب الله» الإرهابي في إيذاء دول أخرى.
فتح التدريبات لعناصر إرهابية من فروع تنظيماته في دول أخرى وفتح قنواته لبث الفتنة ضد الدول العربية الأخرى واستخدام مصارف البلاد لتمويل فرق إرهابية في الخارج. لبنان لم يعد دولة مختطفة بريئة، ولكنها دولة ترعى الإرهاب بعجزها عن عمل أي شيء ضده، عانى لبنان عبر سنوات من مشاكل القمامة وشركاتها وتكدست القمامة في الشوارع ودفنت على الشواطئ وتم بحث هذه المسألة في الصحف والبرلمان، ولكن أخطر مشاكل لبنان هي القمامة السياسية التي يجب أن تأخذ أولوياته، وهذه المشكلة تتجسد وتتمثل فيمن خطف البلاد تحت السلاح وحوله إلى مسخ من ماضيه.