&&أمير طاهري

عبر محاولته إنشاء مجموعة عمل خاصة بالملف الإيراني، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تسوية 3 مشكلات عن طريق صياغة استراتيجية جديدة بشأن الجمهورية الإسلامية.

تتعلق المشكلة الأولى بالوجود المستمر في غير مكان من الحكومة الأميركية، بما في ذلك وزارة الخارجية، والبيت الأبيض، ووزارة الدفاع، وحتى وكالة الاستخبارات المركزية والعناصر التي لا تزال تعمل وفق استراتيجية الرئيس الأسبق باراك أوباما من حيث انتهاج مقاربة الاسترضاء إزاء نظام الملالي في طهران من خلال مزيج من التنازلات الفارغة والتهديدات الجوفاء.

ومن ثم، فإن مجموعة العمل الجديدة، سوف تعمل من منطلق كونها «مصفاة» لترشيح كل أنواع التحليلات، والتقارير، والتوصيات، الصادرة عن مختلف القنوات الإدارية وحتى مستوى صانع القرار النهائي في واشنطن، الرئيس ترمب نفسه.

وتتعلق المشكلة الثانية بجلب وجهات النظر المتباينة داخل الدائرة المقربة من مساعدي الرئيس معاً قدر الإمكان. وليس خفياً أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون كان من أبرز دعاة تغيير النظام الحاكم في إيران لما يربو على عقدين من الزمان على أقل تقدير.

وفي مقابل ذلك، نجد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ورغم اعتباره صقراً من صقور الإدارة الأميركية فيما يخص الملف الإيراني، فإنه قد تحول في الآونة الأخيرة إلى مدرسة «تعديل السلوك» الفكرية المعنية بالنظام الإيراني وإشكالاته في المنطقة.

ولقد حاول الرئيس ترمب مد جسر التواصل بين وجهتي النظر المختلفتين من خلال تعيين بريان هوك رئيساً لمجموعة العمل الجديدة. وكان هوك مساعداً لجون بولتون حال خدمة الأخير سفيراً للولايات المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة. وفي الشهور الأخيرة، رغم كل شيء، عمل في منصب رئيس التخطيط لدى مايك بومبيو. وتقول المصادر المطلعة على الأمور في العاصمة واشنطن إن هوك يحظى بالاحترام والثقة من قبل بولتون وبومبيو. وإن كان هناك من أحد بإمكانه تقريب وجهات النظر المتباينة في ذلك الملف الشائك، فإنه بريان هوك، كما يتوقعون هناك.

أما المشكلة الثالثة فتُعنى بصياغة الاستراتيجية الجادة التي تتجاوز حدود الأقوال الصاخبة والشعارات الرنانة. وهذا يستلزم قدراً كبيراً من الدراسة المتأنية، والتشاور العميق مع الحلفاء، فضلاً عن المعلومات الحقيقية الأكيدة من الداخل الإيراني. وكان هوك من بين نقاد الطريقة التي تبنتها إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش في عامي 2002 - 2003 بالاعتماد على المعلومات مجهولة المصدر التي وفرتها وقتذاك مجموعات من الشخصيات العراقية المنفية بشأن النظام الإيراني.

كما أن هوك يدرك تماماً أنه كي تتهيأ لأي استراتيجية أميركية فرص النجاح فلا بد من اعتماد أكبر قدر ممكن من التعاون مع الحلفاء والدول الصديقة. وهذا هو السبب في أن أحد تحركات هوك المبدئية تتعلق بفتح قناة التشاور المباشرة مع الحلفاء في كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، أثناء زيارة العمل التي قام بها أخيراً إلى العاصمة البريطانية لندن.

ونعرض فيما يلي مميزات وعيوب خيار تغيير النظام وخيار تعديل السلوك فيما يتعلق بالنظام الإيراني الحاكم. فمن وجهة نظر استراتيجية بحتة، قد يبدو خيار تغيير النظام الحاكم أكثر منطقية لسببين اثنين على أقل تقدير.

السبب الأول هو أنه يوفر هدفاً معيناً وواضحاً يمكن قياس الأداء الخاص به في أي وقت من الأوقات. وبالتالي، يمكن اعتراض ثم إيقاف أي إجراء من شأنه المساعدة في إطالة عمر النظام الإيراني الحاكم، وأي إجراء من شأنه المساعدة في تسريع وتيرة عملية تغيير النظام يمكن تشجعيه وإسناده.

والسبب الثاني هو أن تعديل السلوك من شأنه أن يمنح الجانب الإيراني ميزة المبادرة، وسوف يرجع الأمر في ذلك إلى طهران كي تعمل على ضبط أو تعديل هذا أو ذاك الجانب من جوانب سياستها وبالإيقاع الذي يتناغم مع العزف الإيراني الرخيم على مختلف أدوات السياسة الخارجية.

وفي مثل هذه الحالة، سوف تتخذ السياسة الخارجية الأميركية موقف رد الفعل الذي يدفع طهران إلى اعتماد سياسة المخادعة والمخاتلة التي تنطوي على مزيج من التنازلات التي تعقبها سلسلة من الخطوات الاستفزازية الجديدة، ثم الانتظار حتى نهاية فترة رئاسة دونالد ترمب.

وكانت طهران قد مارست لعبة تعديل السلوك تلك مع كل الرؤساء الأميركيين السابقين تقريباً، ومنذ عهد الرئيس جيمي كارتر، وتمكنت إثر ذلك من تثبيط الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها تلك الإدارات على أمل «إعادة طهران إلى الحظيرة الدولية» مرة أخرى، كما كان يروق للرئيس باراك أوباما أن يقول.

ورغم ذلك، فإن تغيير النظم الحاكمة يسهل قوله كثيراً عن تنفيذه. ومن الناحية النظرية، تملك الولايات المتحدة الأميركية الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية الكفيلة بإسقاط النظام الإيراني الحاكم. ولكن السؤال المهم في هذا السياق هو ما الثمن الذي لا بد من سداده لقاء ذلك على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، ثم على الصعيد الاستراتيجي بالمدى البعيد، لا سيما مع إزهاق إدارة الرئيس ترمب من طموحات بناء الدولة في إيران.

فشلت محاولات تعديل السلوك الإيراني لدى رؤساء الولايات المتحدة السابقين بسبب أن ما أرادته الولايات المتحدة على وجه التحديد لم يتم الإعراب عنه بكل وضوح في وقته. وكانت دعوة الرئيس أوباما الساذجة لإيران لأجل «الانضمام إلى مجتمع الأمم» أوهن من دعوة السيدة العانس إلى حفل العزاب.

أما في عهد دونالد ترمب، فإن الإعراب عن خيار تعديل السلوك كان واضحاً للغاية واتخذ صورة 12 مطلباً تغطي كل جوانب التفاعلات الإيرانية في المجالات ذات الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويمكن القول إنها تتعلق بقضايا البرنامج النووي، والإرهاب، والهجمات السيبرانية، وأعمال العنف بحق المنشقين داخل إيران ذاتها. ونظراً لأنه يسهل قياس ومتابعة الأداء الإيراني في هذه المجالات المذكورة، يسهل على إدارة الرئيس ترمب الوقوف على ما إذا كانت المطالب قد استوفيت من عدمه. وفي حقيقة الأمر، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، شرعت طهران في الامتثال لبعض من هذه المطالب في حين أنها شحذت خطابها السياسي العام بغية إخفاء حقيقة التراجع عن مواقفها المتخذة والمعلنة على الصعيد المحلي في البلاد.

وقد يعمل بومبيو وبولتون وهوك على صياغة مزيج من هذين الخيارين من خلال العمل على مسار تغيير النظام الحاكم على أمل إقناع القيادة الخمينية في طهران بقبول عملية تعديل السلوك على اعتبار قاعدة أخف الضررين. وهذا يتفق مع المثل الفارسي الذي يقول: «نار الحمى ولا سيف الجلاد!».

ورغم ما تقدم، حتى وإن اعتمد هذا المزيج لدى الإدارة الأميركية، فلا يزال هناك خطر كبير من عدم اليقين يتعلق بمشاعر ترمب نفسه حيال الخيارات المطروحة في أي وقت من الأوقات. إذ يعتمد الرئيس الأميركي بشكل كبير على «شعوره» و«حدسه» الخاص بأكثر من اعتباره لأي سيناريو سياسي أو عسكري مُصاغ بكل عناية ودهاء. كما أنه يفضل كذلك ممارسة اللعبة السياسية قصيرة الأجل على إدارة الصراع السياسي طويل الأمد حال العمل على إبرام أي صفقة من الصفقات السياسية.

وقد تشير هذه الحقيقة إلى وجود خيار ثالث في الأفق: ألا وهو التغيير «داخل» النظام الإيراني الحاكم بدلاً من تغيير النظام الحاكم بأسره أو محاولة تعديل سلوكياته.

يبدو أن المهمة التي سوف يضطلع بأعبائها هوك عسيرة للغاية!