مكة المكرمة: محمد العايض

شدد الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، على أن السعودية ترحب بجميع الحجيج من كل أصقاع العالم وهي تفخر بخدمتها لضيوف الرحمن، مؤكدا أن وزارته أكملت جميع استعداداتها للحج بما في ذلك العناية بضيوف خادم الحرمين الشريفين حول العالم.

وركز آل الشيخ في حوار لـ«الشرق الأوسط»، على أن الفكر الوسطي المعتدل هو السائد في السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز غير أن مجموعة من المعلمين الذين استضافتهم المملكة في عهود سابقة إثر النهضة التعليمية التي تعيشها حاولوا نشر فكر الإخوان المسلمين. وحمل وزير الشؤون الإسلامية {الإخوان المسلمين} مسؤولية انتشار الفكر المتطرف والتكفيري في العالم الإسلامي من خلال اختطافهم الدين لمصالح سياسية.

كما تطرق آل الشيخ في حديثه إلى الشعب الإيراني مؤكدا أنه يعيش قهر وظلم النظام الإيراني الصفوي الذي يهمه نشر التخريب في جميع الدول الإسلامية التي تسلل لها.

وأبدى الوزير السعودي تعاطفه مع الشعب القطري مؤكدا أنهم امتداد للشعب السعودي، وأن عدم دخولهم لأداء فريضة الحج يأتي بتعقيدات من النظام القطري رغم التسهيلات التي وفرتها السعودية.

وأكد آل الشيخ أن وزارته تعمل على محاربة أي فكر متطرف لدى بعض القلة في المجتمع السعودي تأثرت بفكر الإخوان المسلمين، مشددا على أن هناك آليات صارمة في ذلك بما فيها مراقبة المنابر في المساجد وخطب الجمعة والمحاضرات، حتى تستمر الصورة الوسطية المعتدلة للدين الإسلامي كما هو حالها في السعودية، مستفيدا من الدعم والمؤازرة الكبيرة التي يجدونها من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده.

وإلى ما جاء في نص الحوار:

- أبدى عدد من الحجاج الذين استضافهم برنامج خادم الحرمين الشريفين، ومنهم حجاج فلسطين، سعادة كبيرة بالحفاوة التي قوبلوا بها منذ التجهيز لهم من بلدانهم حتى وصولهم إلى مكة، ماذا يعني لكم ذلك؟

- خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يهتم كثيراً بشؤون الأمة الإسلامية ولذلك هو يسعى بكل السبل لزراعة السعادة في نفوس المسلمين، ولذلك يحرص على استضافة نخبة من العالم الإسلامي لأداء فريضة الحج وعلى نفقته الخاصة.

- ذكرت في إحدى المناسبات بأن أمن الحج هو أمن ومسؤولية جميع المسلمين حول العالم، هل من توضيح أكثر؟

- مكة المكرمة بما فيها من المشاعر المقدسة، والمدينة المنورة بمثابة الرمز للمسلمين حول العالم وهي في قلوبهم، كما أنهم يتوجهون للكعبة المشرفة خمس مرات يوميا في صلواتهم، ولذلك أي عمل مسيء أو تخريبي يتم في هذه المواقع المقدسة كافة أو محاولة إثارة البلبلة أو الشوشرة على الحجيج، ليس المقصود به السعودية وإنما جميع المسلمين حول العالم من حج منهم ومن لم يفعل. ومثل السعودية وبقية بلاد المسلمين حول العالم، مثل الجسد والرأس، فإذا أُوذي الرأس تأذى الجسد كاملاً. ولذلك فالدفاع وحماية المشاعر المقدسة في مكة والمدينة من إثارة البلبلة أثناء فترة الحج واجب شرعي متعين على جميع المسلمين سواء في مكة أو خارجها.

- فريضة الحج هي الركن الخامس في الإسلام بما فيها من روحانية وأجواء خاشعة، غير أن البعض يحاول أن يتخذ هذه المناسبة العظيمة لجميع المسلمين لتسييس الحج... كيف ترى ذلك؟

- من رحمة الله أن جعل المسلمين أمة وسطا، لا غلو ولا تطرف، ولا إفراط ولا تفريط، ولذلك أي شخص يسعى لاستغلال فريضة الحج أو حتى الدين وشريعته السمحة في أمور سياسية، فهذا بلا شك انحراف عن الفطرة.

وديننا الحنيف يوصي بالسمع والطاعة لولي الأمر، والاجتماع وتجنب الفرقة، ونبذ الإرهاب والتطرف في أي شيء، وحبب الاعتدال والوسطية في جميع الأمور وفي مقدمتها الدين، ولذلك نرى أن بعض الأحزاب التي تعمل أنشطة سلبية مستغلة الدين هي بمثابة تحفيز على الفرقة بين المسلمين وتشويه الصورة الحقيقية للدين ومخالفة تعاليمه، بالإضافة إلى استغلال الدين في جوانب سياسية أو دنيوية بهدف تحقيق المصالح الخاصة، بينما الدين الإسلامي أرقى وأسمى وأرفع من أن يستغل في مثل هذه الأمور.

- وما رأيكم في مطالبة النظام القطري بتدويل الحج؟

- السعودية قامت على العقيدة الإسلامية النقية والصافية، وهي تشرف على البيت الحرام في مكة المكرمة ومسجد الرسول الكريم في المدينة المنورة بحكم أن كلا المنطقتين تقع ضمن الأراضي السعودية، والأعداء الذين يدعون لمثل ذلك، قصدهم ليس له علاقة بخدمة بيت الله الحرام أو الاهتمام به، وإنما هم يقصدون هدم الإسلام من الداخل وهدم الدين من الداخل، وجعل المشاعر المقدسة في مكة والمدينة مسرحاً للفوضى وميداناً للقتال.

ولا شك أن جميع المسلمين العقلاء عندهم من الحصانة الدينية ما تمنعهم أن يقولوا بمثل هذا القول، لأن من يطالب بمثل ذلك لهم أغراض خبيثة وسيئة، منها محاولة تفكيك المسلمين وتدميرهم من الداخل وشق وحدتهم بإثارة الفتن والأحقاد باستخدام أعظم مقدسات المسلمين المتمثلة في مكة والمدينة وما تحويانه.

- تحدثت عن النظام الصفوي فماذا عن الشعب الإيراني؟

- النظام الصفوي يختلف عن الشعب الإيراني المظلوم والمغلوب على أمره، على عكس الفئة العنصرية العدوانية في النظام هي التي تقوم بإشعال الفتن بين المسلمين. ونحن نرى المشانق التي تعلق بشكل شبه يومي للشعب الإيراني في ميادينهم، بالإضافة إلى الوضع المزري لهم على الرغم من أن الشعب الإيراني المقهور يعيش في أرض من أغنى الأراضي في العالم ومع ذلك تجدهم يعشون حياة الحاجة والبؤس. وبالمناسبة كثير من الشعب الإيراني متفتح ويدرك الواقع، ويلاحظ ما يعيشه غيره من دول العالم، ويقارن ذلك بما يفعله النظام الصفوي في بلادهم ولذلك يرفضون توجهات النظام لديهم، فيما يرون حرمة المساس بالمقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، كما أن هناك مثقفين في إيران ولهم آراء تخالف ما يقوم به النظام.

- وماذا عن الحجاج القطريين وبعض الظروف التي يواجهونها من النظام في بلدهم ومنعهم من الدخول لأداء الحج؟

- الشعب القطري هم امتداد طبيعي للشعب السعودي هناك مصاهرة بين الشعبين وبالتالي قرابة بينهما، والعادات والتقاليد، وأكبر من ذلك كله عقيدة التوحيد التي تجمع بين الشعبين.

والسعودية فتحت جميع أبوابها لجميع من يرغب في القدوم إليها ومن يرغب في أداء فريضة الحج، ولم تمنع أحدا أبدا بل سهلت جميع الإجراءات، ولأجل ذلك من أراد الحج فعلى الرحب والسعة ومن مُنع من أداء فريضة الحج فنرجو له العون.

- هل ترى أن هناك من حاول اختطاف الدين الوسطي المعتدل في السعودية؟

- السعودية منذ إنشائها على يد المؤسس الملك عبد العزيز حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي تنهج المنهج المعتدل والوسطي، إذن منهج السعودية هو منهج وسطي ومعتدل منذ بدايته، وهو من المبادئ والثوابت في الدولة.

وبعد النهضة العلمية الكبيرة التي سارت عليها الدولة في عهود الراحلين من الملوك السابقين، تمت الاستعانة ببعض المعلمين والمدرسين من بعض الدول العربية بهدف مواكبة التطور وتبادل العلم والمعرفة والخبرات، لكن من بين هؤلاء المعلمين من كان يحمل أفكارا ملوثة ومتطرفة من خلال امتطاء الدين واستخدامه للوصول إلى مصالح سياسية ودنيوية واضحة وبعيدة عن الدين، خاصة فيما يتعلق بجمع الأموال وتكديسها للمصالح الخاصة تحت غطاء الصدقات والزكاة والمساعدات الخيرية.

- إذن هل الدين الوسطي المعتدل اختطف في السعودية؟ إذا كان كذلك فمِن مَن؟

- نعم السعوديون ومن يعيشون على أرض السعودية هم أناس في الأصل معتدلون بسبب المنهج المعتدل الذي كانت تسير عليه المملكة منذ تأسيسها، حتى دخل ممثلو جماعة الإخوان المسلمين فنشروا فكر التحزب والإرهاب والعنصرية.

- وما الأفكار التي حاول الإخوان المسلمون زرعها في السعودية أثناء قدومهم لها معلمين في السلك التعليمي ونحوه؟

- فكر التكفير والتفجير والتضليل والتشكيك في العقيدة وفي ولاة الأمر، حتى نتج فكرة ما يسمونه الصحوة، واختلقوا أسماء المجاهدين بغير حق، وكذلك «داعش» وغيرها و«جماعة النصرة» و«جماعة التكفير» وغيرها، وما يميز هذه الجماعة وأقصد جماعة الإخوان المسلمين، أنهم يتلونون حسب البيئة التي هم فيها فيبذرون بذرتهم بأغطية مختلفة ولكن تظل جماعة الإخوان المسلمين وفكرها هي المظلة الكبيرة لأغلب الأفكار المنحرفة والمتطرفة في الوقت الحالي، حتى لو وصلوا إلى تفجير النفس الذي يقوم به البعض، هو فكر إخواني صرف، ومن يتابع تاريخ الإخوان المسلمين يعرف أنهم شوهوا سمعة الدين واستخدموه لأهداف سياسية.

- وهل تغلغل هذا الفكر؟

- بفضل الله ثم الأساس المتين والقوي الذي تربى عليه المواطنون والمقيمون في السعودية منذ زمن، فقد كان حصانة لهم ولم يتأثر بذلك إلا قلة قليلة، لأن معظم أعضاء المجتمع السعودي هناك كثير من الأمور التي تمنعه من الخطأ، فهو إن لم يخش الله فهو يستحيي من الناس، فلذلك تكونت له ما يشبه الحصانة من الأفكار الهدامة.

- وماذا حصل بعد ذلك؟

- بفضل الله ثم جهود خادم الحرمين الشريفين ومتابعة مستمرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ركزوا على محاربة تلك التوجهات التي ما زال الإخوان المسلمون يحاولون جاهدين بثها داخل المجتمع في السعودية، فبدأ العمل في كامل السعودية على الثبات على المنهج الوسطي المعتدل في الدين الذي سارت عليه الدولة منذ تأسيسها، وذلك بالتأكيد على الصورة الحقيقية للإسلام من خلال المنهج المعتدل الوسطي، ونبذ التطرف والكراهية.

- هل كان هناك تحركات من قبل وزارتكم في هذا المسار؟

- نعم بدأنا في تطبيق توجيهات قادة البلاد من خلال نشر الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف في المنابر في المساجد من محاضرات وندوات وكذلك خطب الجمعة، ونحن نحرص أيضا على المحافظة على المنابر من أصحاب الأفكار غير المعتدلة أو المتطرفة.

- هناك من يذكر ويستخدم مفردة «الوهابية» ويشير إلى أنها تنسب للشيخ محمد بن عبد الوهاب فهل هذا صحيح؟

- بداية أقول هناك من يحاول تشويه صورة المملكة من أعدائها وفي مقدمتهم الصفويون ومن سايرهم من الجهلة، ولكن كل ذي نعمة محسود، ولكن للتصحيح فأقول إن الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يأت بشيء جديد في الدين وما هو إلا مجدد للدين بحسب القرآن وسنة الرسول الكريم في فترة غلب على الناس الجهل بالدين في ظل حياة الفقر التي كانوا يعيشونها، وما جاء به الإمام محمد بن عبد الوهاب هو دين الوسطية والاعتدال التي أمر بها الله، ونحن نتحدى ونراهن على ذلك ونكذب بعض الافتراءات التي أُلصقت به زورا وبهتانا.

أما فيما يتعلق بمفردة الوهابية فهي في الأصل مفردة ألصقت متعمدة من أعداء الدين ليشوهوا الاعتدال والوسطية التي كانت في الدعوة، وهي تعود في منشئها لشخص اسمه عبد الوهاب بن رستم في شمال أفريقيا، تبنى فئة إجرامية خارجية وضد الدين وآذت الناس جميعا، فوجد أعداء الدين أنها فرصة لإلصاق اسم الوهابية لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، للتلبيس على الناس ومنعهم من التعامل بالوسطية والاعتدال.

ولو كانت مفردة «الوهابية» هي حقا خاصة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، لكان من المنطق أن يطلقوا عليها اسم «المحمدية» وليس «الوهابية»، فعبد الوهاب هو والد الشيخ وليس الشيخ نفسه، ولكن كما قلنا الهدف معروف تشويه الدعوة وبالتالي تشويه الدين ونشر الانحراف والتكفير.

&