سمير عطا الله

 قررت «دار الصياد»، فيما يبدو أنه آثار أزمة الصحافة الورقية، تحويل مجلة «الشبكة» الصادرة عنها من أسبوعية إلى شهرية. كانت «الشبكة» أول مجلة فنية تصدر في لبنان أواخر الخمسينات. وبلغت مبيعاتها أرقاماً قياسية. ثم تحولت إلى أهم وسيلة للترويج لنجاح الشخصيات أو الأعمال الفنية. حتى الفنانون الكبار كانوا يحسبون لرأيها حساباً، مثل وديع الصافي والرحابنة وحتى محمد عبد الوهاب. سعيدٌ من كانت «الشبكة» تؤيده، وفاقدُ حظٍ إذا ما غضبت عليه. لكن وسط هذا «الكشكول» الأسبوعي من الصور والجميلات والمقابلات والنقد، كان فيها بابان، أو زاويتان، تمثلان روح المرحلة.

الزاوية الأولى، بتوقيع «حميدو»، عبارة عن تبادل المفاكهة بين رئيس التحرير وقرائه. والثانية، زاوية القلوب الشاكية، وهي عبارة عن صفحة تتلقى رسائل معذبي الغرام وتعرض مشكلاتهم وتقترح الحلول. في حالات كثيرة كان «حميدو» يخترع السؤال والجواب معاً. وفي حالات عدّة، كان طبيب القلوب يخترع المشكلة والحل معاً.
لكن في كل الحالات، كانت الزاويتان حواراً مؤنساً مع الشاكين من الوحدة: صديق من ورق يصغي إليك في فرحك وفي حزنك، ويحوّل المسألة إلى مشاركة جماعية تُشعِر الشخص المعني أن جميع الناس يتعاطفون معه فيما كانت أسمهان تصفه «يا مصبرني على بلواي».
لم يكن ذلك حال باب القلوب في «الشبكة» وحدها، بل في مطبوعات كثيرة، عالمياً وعربياً. وكانت قرويات الأرياف الأميركية المعزولة يكتبن إلى مجلات الخياطة عن شؤون العائلة ومشكلاتها. إن طلب السلوى، أو السلوان، حالة بشرية عامة. لكن هذه العلاقة «الخاصة» بين المجلة وقارئها زالت الآن. ولم تعد هناك وحدة، أو عزلة، أو أرياف بعيدة. لقد حول «الكومبيوتر» العالم إلى لائحة كهربائية يلتقي عليها الجميع وخالية من الحميميات. ولم يعد مهماً كثيراً أن تشكو فتاة تخلت عنك. ففي هذا العصر يغني زياد الرحباني: «عايشة وحدا بلاك (من دونك) / وبلا حبك يا ولد / حاجي تحكي عن هواك / ضحّكت عليك البلد».
لا رومانسيات. والنجوم لم تعد تصنعهن الصحافة بل التلفزيون. والشروط أو «الظروف الموضوعية» باللغة الماركسية، قد اختلفت تماماً. هناك عشرون مسلسلاً على الأقل جميعها تتنافس بقصر الفساتين. وبدل رسائل الحب واللوعة ترون الآن النكات التي لم تكن تروى في البيوت، لا على التلفزيون ولا من خلفه.
لا يمكن لمجلة أن يغيب قارئها وأن تبقى هي. كان رئيس تحرير «الشبكة» جورج إبراهيم الخوري، يكتب كل أسبوع حكاية سهرة مع أم كلثوم، أو عشاء مع محمد عبد الوهاب، أو غداء مع عبد الحليم (وعلى حساب العندليب أيضاً). الناس تأخذ معها عصورها.