أسامة سرايا 

دخلنا الجزء الأول من الانتخابات الرئاسية 2018 بنجاح نسبى، لا يستطيع أى متابع لمستقبل مصر الانتخابى إلا أن يقف أمامه ويشعر بالارتياح، فى إطار هذا الظرف الزمنى الذى تعيشه مصر، وتلك التطورات المحلية والإقليمية المتلاحقة، وقد تحقق هذا النجاح فى ظروف صعبة وغير مواتية، فهو يحدث رغم الحرب الضروس البغيضة المعلنة على بلدنا من دول فى الجوار، ومن قوى عالمية تؤوى وتدعم التيارات المعارضة والجماعة الإرهابية بكل الإمكانيات لتشويه عملية الانتخابات. ولا تريد لمصر أن تعبر بتجربتها الانتخابية، فتحيطها بأجواء من الحروب والشائعات البغيضة، وتريد أيضا أن تلقى بظلالها وأجوائها على تجربتنا السياسية الوليدة بكثير من مناخ التوتر والخوف من المستقبل، فى محاولة لإفقادها الشرعية السياسية!.

وبالرغم من كل هذا، فإن النظام السياسى المصرى الذى ولد بعد الإطاحة بالجماعة الإرهابية 2013 ، أثبت كفاءته باقتدار، فعمل على تثبيت أركان الدولة ومنع انهيارها، وألا تكون رقما فى مسلسل الانهيارات العربية، وتتداعى كتلك الدول، فى هذه الحقبة اللعينة من تاريخنا.

فانتقل النظام السياسى إلى عملية بناء شجاعة لمشروعات قومية عملاقة، وإصلاحات اقتصادية، تجاوزت القرارات الآنية لتصبح عملية مستمرة، نراها تنتقل من مجال إلى آخر بسهولة ويسر، وفى تنوع فريد، ومتوازن بين مختلف الأقاليم الجغرافية فى مصر، أى أنه يراعى أهمية التنمية المتوازية، قطاعيا وجغرافياً، وكذلك راح يبنى على شرعية جديدة أو متجددة، تعتمد على هذا النمط من العمل الدءوب والإنجاز السريع الذى بنى على وعى النظام وتمييزه الدقيق بين الإنجازات السريعة الضرورية لحياة الناس اليومية، وحل المشكلات العاجلة فى الإسكان، وبين الارتقاء بالبنية الأساسية طويلة المدى، والتى على أساسها تم إطلاق عملية تنمية كبرى لكل الأقاليم المصرية، بشكل جعل المراقبين للشأن الاقتصادى يشعرون باستحالة تحقيق هذه الطموحات الجريئة فى هذا الوقت القياسى مع محدودية الإمكانيات والموارد.

كل ذلك تم ويتم وسط حرب للإرهاب لم تشهد لها البلاد مثيلا من قبل، فهو إرهاب لا يقوم على الإرهاب الداخلى، وقد عرفناه فى سنوات سابقة، ولكنه يقوم على تحركات لجماعات الإسلام السياسى المختلفة، وترى فى نفسها الأحق بقيادة مصر من حين إلى آخر، ثم يقوم على الإرهاب المستورد الناجم من تداعيات مخيفة شملت الإقليم بالكامل بعد سقوط معظم دول الجوار أو كلها تقريبا، ومن قبلها كانت التطورات التى حدثت فى الشرق الأوسط بعد الحروب المختلفة، والثورات التى أثرت فى الشام والخليج العربى، وكذلك المغرب العربى.

وهى التطورات التى جعلت الإرهاب العالمى الجوال فى منطقتنا مسيرة حياة يومية، نعيشها ونتأثر بها، فضربت السياحة والاقتصاد، وأثرت فى حياة كل أبناء المنطقة بشكل مخيف.

والإرهاب الجديد مزدوج، ومتعدد الاتجاهات، داخليا وخارجيا، سواء كان قادما من الإقليم أو من خارجه، كل ذلك جرى عقب سقوط التيار الدينى، وفشله فى حكم مصر، فخرج كالمسعور لا يبالى بشيء، خرج بهدف واحد هو تحطيم الدولة المصرية، وتشريد شعبها، وعقابه لتجاسره على إسقاطهم من الحكم، ويريدون إثبات خرافة عششت فى عقولهم الخربة لسنوات طويلة، هى إننا لا نستطيع أن نحكم أنفسنا بعيداً عنهم، واعتقدوا أنهم نجحوا فى تقسيمنا فئات حسب الولاء لهم، وكانت تنظيماتهم الدينية قد أسقطت من حساباتها حق المواطنة لكل المصريين، ولكنهم فشلوا فأرادوا وخططوا للوقيعة بين مؤسسات الدولة، وبين المدنية والعسكرية، وحتى بين المواطن والمواطن.

إنها حالة عبثية من التاريخ، ولذلك شعرت شخصيا بقوة الأمة، عندما تحركت كل المؤسسات، وأهمها القوات المسلحة، ومنعت الخروج على القانون، والوقوف أمام الداخل والخارج كوحدة واحدة، قادرة على العبور إلى المستقبل.

ونجحت اللجنة العليا للانتخابات فى تقديم نموذج جديد، وإرساء تقاليد الحياد، وعدم تدخل مؤسسات الدولة فى الانتخابات، وتقديم مراحل العملية الانتخابية، وألزمت الكل بعملية انتخابية تنطوى على فعاليات محددة، وضوابط قانونية واضحة بسيطة وشاملة، لتغيير وحدة النهج، والتطبيق والعدالة، والفهم المشترك لمجمل الإطار الانتخابى من قبل كل الشركاء فى العملية الانتخابية، وذلك سيكون له آثار إيجابية، وسوابق انتخابية، تضمن للبلاد تجربة ديمقراطية عميقة فى المستقبل، وتحقق طموح المصريين.

ولعلى أطالب بأن يتحرك النظام الحزبى المصرى للمنافسة، وهو ما يعكس إمكانية أن أحزابنا الكثيرة (104أحزاب) تحاول أن تقف سنداً للنظام السياسى، وهذا التحرك سيكون له كثير من الاعتبار على مستقبل مصر الديمقراطى، فهو سيخلصنا من المرشحين الفولكلوريين، أو الوجوه التى تكرر فشلها فى الانتخابات الرئاسية، وثبت انعدام شعبيتها أو سطحيتها، ونتطلع إلى أن نرى برامج جديدة، ورؤى غير هزيلة، تكون إضافة إلى الحكم فى المرحلة القادمة، لكى نثبت أن التطور السياسى، وبنيته الأساسية للنظام السياسى تنمو هى الأخرى، بشكل يتوازن مع تطور مصر الاقتصادى، وتتزايد قدرتها ودورها فى محيطيها الإقليمى والعالمى، على أن يشارك ملايين المصريين من لهم حق التصويت فى العملية الانتخابية، لأن هذا الحضور سيؤكد قدرة ومتانة دولتهم وتكيفها ومرونتها فى التصدى لما يحاك لها، أو يترصد بها، سواء من المتآمرين فى الداخل أو من القوى الخارجية التى تساعدهم وتؤثر بتداخلاتهم وحروبهم فى استقرارها وطموح أبنائها فى حياة كريمة، ومشاركة إيجابية فى بناء البلاد، وتأكيد الدور المحورى فى العالم.