مانشستر: دانيال تايلور

 الأسبوع المقبل ستمر 60 عاما على الحادثة الكارثية لتحطم طائرة فريق مانشستر يونايتد في مدرج مطار ميونيخ الذي راح ضحيته نخبة من أفضل لاعبي إنجلترا، ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أن النادي الشمالي العريق وجماهيره لم ينسوا أبدا هذه المناسبة الحزينة وستكون المباراة أمام هيدرسفيلد السبت المقبل موعدا لإحياء هذه الذكرى.

هناك دائما لحظات في هذه المهنة نتذكرها أكثر من غيرها، مثل الرحلات بالخارج والليالي الرائعة في تلك الملاعب القديمة والعريقة التي تجد نفسك فيها، لاشعوريا، تسرع الخطى أثناء المشي، أو المناسبات التي تقضيها مع لاعبي كرة القدم العظماء من سنوات مضت، والتي تعرف عندها كم أنت محظوظ أن تكون في صحبتهم وأن تستمع لقصصهم وتتعلم من التجارب التي مروا بها.

وسيظل أحد هذه الأوقات، على وجه الخصوص، معي دائما وأبدا، فما زلت أتذكر جيدا كيف ظهر اللاعبون بأحذيتهم اللامعة وستراتهم الرائعة، وأول لحظة صعد فيها السير بوبي تشارلتون السلم وأعد الغرفة للحظة الصمت. ابتسم تشارلتون بأدب، لكن كان يمكن أن ترى عن كثب أن هناك محنة شديدة.

وعلى الطاولة التالية، صافحنا بيل فولكس وصافح جيل من الكتاب المتخصصين في شؤون كرة القدم والذين ربما لم يعرفوا تفاصيل القصة كما ينبغي، وبدأ يروي ذكرياته الخاصة بعد مرور نصف قرن على هذا الحادث الأليم الذي وقع على مدرج مطار ميونيخ ريم. كان فولكس واحدا من الناجين الذين سحبوا الضحايا من بين حطام الطائرة، ولكن لم تكن هناك على الإطلاق أي رغبة منه في أن يصور نفسه على أنه بطل. وبعد دقائق معدودة، لم يكن هذا المدافع الصلب – الذي وصفه تشارلتون بأنه «صلب مثل خشب الساج» – قادرا على السيطرة على مشاعره وطلب رشفة من الماء كي يروي ظمأه.

ومن بين كل ذكريات تغطية الأحداث الرياضية في مانشستر يونايتد وكل المباريات والألقاب التي حصل عليها هذا النادي العريق والأميال التي قُطعت في الرحلات الطويلة، فمن المؤكد تماما أنني قد مررت بتجربة مختلفة تماما عندما جلست أمام هؤلاء الرجال في ملعب التدريب بالنادي قبل عشر سنوات في الذكرى الخمسين لمأساة ميونيخ، والاستماع إلى رواياتهم عن هذا اليوم الذي غير حياتهم. وجاء هاري غريغ، وهو بطل آخر من أبطال هذه المأساة، جوا من بلفاست، حيث زين جدران منزله بصور فريق مات بيسبي. وتحدث ألبرت سكانلون، الذي نجا من الحادث وأصيب بكسر في الجمجمة وكسر في الساق، عن الآثار النفسية العميقة التي بقيت معه حتى الآن، كما أشار كيني مورغانز، الذي كان أصغر لاعب مع الفريق خلال هذه المأساة، إلى أنه لا يريد التحدث كثيرا عما حدث.

وكان مورغانز آخر الناجين الذين تم إنقاذهم من الطائرة المحترقة بعد العثور عليه تحت عجلات الطائرة بعد خمس ساعات من التوقف عن البحث عن ناجين بشكل رسمي. وتحدث بشكل رائع عن زملائه الذين فقدوا في هذا الحادث، وهو الشيء نفسه الذي حدث مع الخمسة رجال الآخرين الذين كانوا في صحبتنا. لقد جلسنا معهم واستمعنا إليهم وشعرنا بأننا ارتبطنا بتاريخ هذا النادي العريق وأصبحنا جزءا منه.

وفي نهاية الأسبوع المقبل، سوف يتجمع حشد خارج ملعب «أولد ترافورد»، كما يفعل الجمهور دائما قبل أقرب مباراة للفريق من هذه الذكرى، ليتذكروا الـ23 شخصا الذين لقوا حتفهم، بعد 60 عاما من لقاء مانشستر يونايتد أمام نادي رد ستار بلغراد الصربي في بطولة الأندية الأوروبية أبطال الدوري (بطولة دوري أبطال أوروبا بمسماها وشكلها القديم).

وكان ثمانية من القتلى ينتمون إلى فريق الشباب الذي فاز ببطولة الدوري تحت قيادة المدير الفني المخضرم بيسبي خلال الموسمين السابقين. وكان من بين الضحايا الآخرين اثنان من أفراد طاقم الطائرة (على الرغم من أن قائد الطائرة، جيمس ثاين، قد نجا) وثلاثة مسؤولين في نادي مانشستر يونايتد وثمانية صحافيين، من بينهم أحد أسلافي، دوني ديفيز، الذي كان يغطي شؤون مانشستر يونايتد بصحيفة الـ«غارديان» آنذاك وكان يكتب باسم مستعار مثل كثير من مراسلي كرة القدم في تلك الأيام.

إننا نعيش في عصر تبدو فيه كرة القدم مغرمة بإيجاد طرق جديدة للوقوف دقيقة حداد أو صمت، وغالبا ما يكون ذلك بسبب أحداث لا تمت بصلة لكرة القدم. وقبل أن يخوض مانشستر يونايتد بقيادة مديره الفني البرتغالي جوزيه مورينيو مباراته القادمة أمام هيدرسفيلد سيحصل الجمهور على هدايا تذكارية، بما في ذلك كتاب بعنوان «تذكر أبناء بيسبي»، الذي كتب خصيصا لهذه المناسبة من قبل إيفان بونتينغ، وهو مؤلف غزير الإنتاج يكتب عن تاريخ مانشستر يونايتد.

وسُينظم حدث آخر في ملعب «أولد ترافورد» يوم الثلاثاء التالي، في حين تقام أحداث أخرى على بعد 80 ميلا جنوب مانشستر في دودلي لتذكر دنكان إدواردز اللاعب الأكثر شهرة في تاريخ المدينة. وقد تم افتتاح معرض عن حياة إدواردز قبل أسبوعين، وفي 21 فبراير (شباط) سيقام حفل عشاء لتكريمه في ذكرى وفاته.

يذكر أن إدواردز، وهو لاعب دولي في صفوف المنتخب الإنجليزي منذ أن كان في الثامنة عشرة من عمره، قد أصيب بشدة عندما انحرفت الطائرة عن المدرج، ووصفته قائمة الإصابات الأولية بأنه «مصاب بجروح قاتلة». ورغم ذلك لم يلفظ أنفاسه الأخيرة سوى بعد 15 يوما من الحادث، لكن بعد أن سأل جيمي ميرفي، مساعد بيسبي، عن توقيت انطلاق مباراة الفريق أمام ولفرهامبتون واندررز يوم السبت التالي وما إذا كان سيشارك في المباراة أم لا. يقول فرانك تايلور في كتاب «يوم توفي فيه الفريق»: «كان الأمر يبدو وكأن شابا عملاقا قد أخذ من بيننا».

ومن بين اللاعبين الذين نجوا من الرحلة 609، لم يعد بيننا الآن سوى تشارلتون وغريغ ولن يغفلا أبدا عن حقيقة أن معجزة الحياة قد جاءت بثمن باهظ للغاية. لقد تأثر الجميع بطرق مختلفة، لكن الأشخاص الذين يعرفون تشارلتون جيدا، بما في ذلك شقيقه جاك، يقولون إنه اليوم الذي «توقف فيه عن الابتسام». لقد سمعت أكثر من مرة أنه يوصف بأنه شخصية صعبة بعض الشيء أو يصعب التعامل معها، لكن علينا أن نتذكر جيدا أن تشارلتون كان دائما «أحد الأولاد» قبل مباراة ربع النهائي في بلغراد والتوقف من أجل التزود بالوقود في ميونيخ قبل وقوع الكارثة، ولذا لا يجب أن نفاجأ بما حدث له على الإطلاق.

لقد أخبرنا أمام الجمهور قبل 10 سنوات بأن حياته منذ ذلك الحين أصبحت مصحوبة بسؤال واحد لا يمكن الإجابة عليه: لماذا أنا؟ كان يريد أن يعرف لماذا كان قادرا على تحريك يديه على جسده واكتشاف أنه لا يعاني من شيء سوى جرح صغير بالرأس. وعندما يغلق عينيه، فإنه لا يزال يتذكر صوت الضجيج بالطائرة والدخان وصفارات الإنذار. وما زال يتذكر كيف استعاد وعيه خارج الطائرة المحطمة لكنه كان لا يزال مربوطا في مقعده ويرى الكثير من زملائه ملقون على الأرض من حوله وبعضهم قد فارق الحياة بالفعل. لقد وجد تشارلتون مدربه بيسبي ملقى على المدرج، وفي تلك الثواني الكارثية، أخرج معطفه لتغطيته. وفي صباح اليوم التالي وجد نفسه في سريره بمستشفى ريشتس دير إيزار، وكانت أسماء القتلى تقرأ عليه. يقول تشارلتون: «أسماء جميع أصدقائي. أصدقائي الذين كنت أرقص معهم في عطلة نهاية الأسبوع. الأصدقاء الذين كانوا يدعونني لتناول العشاء في عيد الميلاد. شعرت بأن حياتي قد سُحبت بعيدا عني، قطعة بقطعة». وقد بلغ تشارلتون عامه الـ80 الآن، ولم يعد يُرى في الحياة اليومية في ملعب «أولد ترافورد»، لكن لا يزال يشعر أنه من واجبه تعليم الفريق الحالي. وقبل عشر سنوات، طلب تشارلتون إذنا من السير أليكس فيرغسون للتحدث إلى اللاعبين. واستمر حديثه لمدة ساعة، وأعطى كل لاعب قرص فيديو رقمي (دي في دي) عن فريق بيسبي. وهذه المرة، كتب تشارلتون رسالة سوف يتم تقديمها لجميع اللاعبين. وأتمنى أن يقرأها اللاعبون وأن يدركوا جيدا قيمة هذا النادي وتاريخه. ومن قبيل المصادفة الخالصة، سوف يلعب فريق مانشستر يونايتد تحت 19 عاما في بلغراد في إطار مسابقة دوري أبطال أوروبا للشباب. وسيقام حفل استقبال في فندق ماجيستي، الذي أقام فيه فريق بيسبي قبل تلك المباراة المشؤومة في عام 1958، ومن المتوقع أن يكون هناك على الأقل لاعب واحد من الناجين من تلك الكارثة من فريق رد ستار بلغراد. وستقام دقيقة حداد في ملعب «جيه إن إيه» ونأمل أن يعكس فريق الشباب بنادي مانشستر يونايتد ما حدث لأسلافهم ويفهموا السبب وراء وجود «نفق ميونيخ» في أحد مدرجات أولد ترافورد والذي يحمل اسم تشارلتون.

وخلال لقائي بهؤلاء الرجال، قال تشارلتون: «كنا أفضل فريق في البلاد. الناس لا يصدقونني في بعض الأحيان عندما أخبرهم بما كان يقدمه دنكان إدواردز وتومي تايلور وديفيد بيج وإدي كولمان وبيلي ويلان، وباقي لاعبي الفريق. إنكم تنظرون إلى اللقطات القديمة باللونين الأبيض والأسود وتعتقدون أن كل شيء بطيئ وممل، لكنني أؤكد لكم أنهم جميعا كانوا يمتلكون موهبة لا تصدق - وأكره أي شخص ينسى ذلك».