هدى رءوف

نشرت صحيفة فورين أفيرز مقالا بعنون« مصر أولا: فى عهد السيسي، تسير مصر بطريقتها«، حاول الكاتبان إبراز استقلالية السياسة المصرية منذ 2013، واختلافها عن شركائها التقليديين الاقليميين والدوليين، وانها اتسمت بثلاثة ملامح أساسية هي، مناهضة الاسلام السياسي-بحسب تعبير الكاتبين- والتمسك بسيادة الدول وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وأخيرا انبعاث المشاعر الوطنية واعلاء أهمية حتمية الدور القيادى لمصر فى الاقليم. القراءة الأولى للمقال تعطى انطباعا بالايجابية تجاه استنتاجه استقلالية السياسة المصرية، إلا أنه مملوء بالمغالطات واستدعاء النماذج فى غير موضعها، على نحو يصبغ السياسة الخارجية بتناقض المباديء مع السلوك.

أولى المغالطات، هى تأكيد المقال أن انتهاج سياسة مستقلة وتنويع العلاقات جاء منذ سقوط الرئيس الأسبق مبارك، وضرب المثال بزيارة الرئيس الإخوانى محمد مرسى للصين وروسيا. مخالف لما حدث حينها، فمسارات الإخوان أوضحت الحرص على نمط العلاقات التقليدية لمصر، فحرصوا على زيارة الولايات المتحدة للحصول على الدعم الامريكى لخوض الانتخابات، وأكدوا عدم المساس باتفاقية السلام مع إسرائيل.

ثانى أهم المغالطات هى محاولة الكاتبين تبيان تناقض مبدأ مصر الداعم لسيادة الدول مع سلوكها وذلك بدعمها لموقف السعودية ضد قطر، وهنا يغفلان أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع أى من الدول ليس تدخلا فى سيادتها، إنما احتجاج لتضرر مصالح الدول المقاطعة، وليس لأمر يخص الشأن الداخلى القطري. أيضا، يقول الكاتبان أن محاربة الإسلام السياسي، هو الدافع للتحرك المصرى لمحاربة كل أشكال التنظيمات التابعة له فى ليبيا وسوريا ومعارضتها استخدام الجماعات الجهادية كوكلاء فى الصراعات، ولذا اصطفت الى جانب روسيا ودعم بشار الأسد، كما مارست ضغوطا على حركة حماس. وهذه محاولة من جانب الكاتبين للتأكيد أن الدافع لأى تحرك مصري، نابع من مجرد عداء لجماعات الاسلام السياسي. وذلك على الرغم من أن تحليل سلوك مصر الخارجى تجاه قضايا الصراع فى سوريا وليبيا والعراق، يؤكد بوضوح أن مرتكزات سياستها منذ 2013 تقوم على أولا، وحدة الدولة الوطنية ودعم مؤسسات الدولة الرسمية، ورفض أى دور تمارسه تنظيمات أو ميليشيات مسلحة وغير نظامية، تدفع لتفكيك الدول على أسس عرقية او طائفية أو اثنية أو مناطقية، وثانيا، عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وثالثا، التسوية السلمية للصراعات ورفض أى تدخل عسكري، لاسيما وأن قضايا الاقليم يتم حلها بعيدا عن الإرادة الذاتية لأطرافها، ومن هنا تجاهل الكاتبان كون من يحارب فى ليبيا وسوريا هم مجموعة من الفصائل الجهادية لدى بعضها ارتباطات بتنظيمى القاعدة وداعش، وفى الصراعين انطلقت مصر من مرتكزات سياستها الخارجية، بدعم المؤسسات الوطنية كالجيش لتحقيق الاستقرار، ولعبت دور الوسيط وتهيئة جولات للحوار بين الفصائل المتعارضة لدعم المسار السياسى والأمنى معا. أما عن إشارة الكاتبين إلى ممارسة مصر ضغوطا على حركة حماس لارتباطها بالإخوان المسلمين، فقد تغافل الكاتبان عن أن نجاح جهود مصر فى ملف المصالحة جزء منه تم بالاستناد إلى ورقة المصالحة المصرية التى تم التوقيع عليها من قبل حماس فى مايو 2011، أى ما قبل مجيء الإخوان وإسقاط الشعب لحكمهم، كما أن خطوة حماس جاءت استجابة لظروف داخلية وإقليمية شجعت القاهرة لدعوة الأطراف للمصالحة.

أخيرا، فإن ما اعتبره الكاتبان تناقضا لسلوك مصر الخارجي، قد يصل بها ليوم توضع فيه للاختيار الصعب من قبل شركائها التقليديين، فإنه استنتاج لا ينم عن معرفة الكاتبين بديناميات التفاعلات فى المنطقة أخيرا، خاصة وأن قضايا الصراعات المتفجرة فى الاقليم كشفت عن غياب أى قواعد أو ضوابط تحكمها. فأوضحت الصراعات فى سوريا وليبيا واليمن وملف ايران ولبنان والعراق وتركيا وقطر، غياب مفهوم الأمن الاقليمى وعدم الوعى لدى الدول المنخرطة فى الصراعات بالمصالح المشتركة، والحفاظ عليها حتى فى ظل وجود خلافات، ووجود تحديات وتهديدات مشتركة، ومن ثم غياب آليات لتسوية الصراعات. وبالتالى وفقا للسياق الاقليمى الذى يتسم بتأسيس وفك تحالفات مؤقتة على اسس طائفية وإثنية وأيديولوجية، فإن السياسة الخارجية لمصر تتسم بتنويع الخيارات، نتيجة تحديات الداخل كالتنمية، وتحركها فى قضايا الإقليم وفق إدراكها.