علي الطراح

 لامس الشيخ الدكتور إبراهيم الدعيج الصباح في كتابه «حوار بين الشريعة والديمقراطية»، قضايا حساسة حول التواؤم بين الدستور الكويتي والشريعة الإسلامية. الكتاب ثري بنقاشاته، والمهم بالنسبة لي هنا هو المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي التي تسعى قوى الإسلام السياسي من خلالها إلى اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، إذ نصت على أن «دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع».

والاستعراض الذي جاء به الكاتب الدكتور إبراهيم الصباح حول مواقف من يعارض ومن يؤيد، والصراع بين ما يطلق عليهم أصحاب الفكر العلماني أو القوى الليبرالية، وبين القوى الدينية، حمل تحذيراً واضحاً من الانصياع لمطالب قوى الإسلام السياسي التي من الواضح أنها تخفي أجندات تسعى إلى تحقيقها عبر أدوات الديمقراطية. واستشهد الدكتور الصباح بما أثاره الكاتب والأديب الدكتور خليفة الوقيان عندما أشار إلى الزحف المنظم لقوى الإسلام السياسي وخصوصاً عندما قال: «هل ينبغي الانتظار حتى تصل السكاكين إلى الرقاب كما حدث في الجزائر؟». كما استشهد الكاتب ببعض المساجلات بين الإسلاميين والليبراليين وكان أبرزها ما كتبه أحد الإسلاميين: «أيها العلمانيون، أيها المنافقون، أيها المرتدون، لقد جئناكم بطلائع لا تهاب الموت في سبيل الله، طلائع لا تخاف أعداء الإسلام، طلائع دعاؤهم في صلواتهم طلب الاستشهاد في سبيل الله، طلائع تتنافس على القتال».

كتاب الدكتور الصباح فتح الشهية لدي لتسليط الضوء على مسار الديمقراطية الكويتية والمطبات التي وقعت فيها. فقد جاءت هذه الديمقراطية بتوافق في مرحلة تاريخية، وهي اليوم بحاجة إلى إعادة تقييم لمسارها تجنباً للوقوع في مزيد من الأخطاء. النظام السياسي لا يستطيع الاستغناء عن الديمقراطية وإن كان راغباً في تطويعها، بينما نرى أن تطوير آلياتها وفق مطالب المرحلة فيه ما يوفر لنا الأمن والاستقرار، أما ترويضها فهو الخطر الأكبر الذي يهدد أمننا الوطني.

ما يقلقنا في الكويت هو وجود صراع بين بعض الأقطاب داخل الأسرة، والذي وصل في إحدى جزئياته إلى المحاكم في جنيف. ونحن ندرك بأن بعض المتنفذين من التجار يدفعون بالتصعيد لمصالح خفية، والخطورة أن تترك الساحة السياسية مفتوحة لقوى المال الساعية لتشويه الديمقراطية. ورغم قلقنا على مستقبل الكويت السياسي، فإننا نؤمن بحكمة صاحب السمو أمير البلاد الذي يحمل همَّ الكويت ويضعه فوق كل اعتبار.

أما قوى الإسلام السياسي، وخصوصاً «الإخوان المسلمين»، فهي الخطر الذي يقلقنا، لكونها تضع احتلال السلطة ضمن أولوياتها من خلال آليات الديمقراطية التي لا تراها أكثر من فرصة لتحقيق أهدافها. وهنا ليس الهدف من الاعتراض قمع هذه القوى بقدر ما هو التنبيه إلى أهدافها الخفية كما عرفناها من خلال فهمنا للتاريخ القريب.

النظام السياسي يرى أنه يملك كل الأوراق، بينما نرى أن المعادلة الحالية ليست صحيحة تماماً، ومن ثم نجد أن التنبيه ضرورة ملحة. فنحن نؤمن بحرية الفكر والتعددية وبالمطالب الإصلاحية وفق المعادلة التاريخية التي نظمها العقد الاجتماعي. إن القوى المدنية بكافة توجهاتها ترى في النظام السياسي المصدر الأساسي للاستقرار وضمان الأمن في الكويت، وهي ليست طامحة للسلطة، بينما حركات الإسلام السياسي لها مطامحها المعروفة حيال السلطة ودولة الخلافة.

ولعل طبيعة الأوضاع الخارجية، سواء العربية أم العالمية، تجعلنا نعيد تقييم بعض سياساتنا وفق مصالحنا الوطنية بالدرجة الأولى، أما سياسة المجاملات فلها بكل تأكيد تداعياتها المضرة بمصلحتنا الوطنية، خصوصاً بعد تراجع دور مجلس التعاون الخليجي، وظهور بوادر لتحالفات جديدة تتطلب منا رؤية واقعية توفر لنا الأمن والأمان وتجنبنا الوقوع في مطبات قد يصعب الخروج منها.