خالد أحمد الطراح

نتمنى ــــ كجارٍ شقيق للعراق، يدرك تماما حجم الخسارة البشرية والسياسية والاقتصادية التي مُني بها الشعب العراقي منذ عقود، وتحديدا خلال بروز وأفول دموي لنظام المقبور صدام حسين ــــ أن ينعم العراق بكل اطيافه وتياراته الفكرية والسياسية بوحدة وطنية تجلب الأمن والأمان والاستقرار للعراق؛ مهد الحضارات والخيرات أيضا منذ قرون.


مؤتمر إعادة إعمار العراق، الذي قررت الكويت استضافته، مبادرة طيبة تجاه شعب شقيق، نتقاسم معه الهموم والتحديات منذ سقوط نظام طاغية بغداد، فنجاة العراق من صراعات طائفية ومذهبية استهدفت وحدته لا شك في أنها تطلّعات ستعود على الكويت وشعبها ايجابيا على مستويات مختلفة، خصوصا الامنية، لكن بصفتي المتواضعة كمنسّق سابق قبل اعتقال صدام وإعدامه مع نخبة من المعارضة العراقية، أجد نفسي ملزما بعدم الاتفاق مع السياسات التي تنتهجها الادارات الحكومية الكويتية تجاه العراق الشقيق، فإعادة دعم العراق من الناحية المادية لن يمكن الشعب العراقي بكل اطيافه من عبور جسر المحاصصة والمؤامرات التي تحاك من الداخل والخارج.
نعم، العراق يستحقّ الدعم منا في اعادة اعماره، ولكن اعادة بناء وترسيخ نسيج مكوّنات المجتمع العراقي كما كان عليه، تتطلب دعم القوى السياسية والفكرية العراقية بمختلف اطيافها وتياراتها وعلى مستويات مختلفة، خصوصا القوى التي تسعى منذ سنوات الى ترميم الجروح ووأد الطائفية المقيتة والتمزّق، ولم تتمكن حتى اليوم من تحقيق حتى نصف التطلعات الوطنية التي يمكن ان تنتشل العراق من برك دم مذهبية ومخططات ارهابية!
لا بد هنا من التذكير بأن هناك نخباً عراقية من المعارضة السياسية قبل مرحلة المقبور صدام عادت الى العراق، وحاولت جاهدة بصدق وتفانٍ السموّ فوق الاختلاف والخلافات مقابل عودة العراق موحّدا بالاعتماد على عوامل ثقافية وسياسية واجتماعية عادلة، لكن هناك بعض النخب التي وجدت نفسها امام نفق مظلم وتحديات تقف وراءها قوى متنفّذة تسعى الى تمزيق العراق وإسكات صوت العقل والحكمة، الامر الذي حدا بهذه الشرائح الى هجرة جديدة لتلملم الصفوف في بعض البلدان العربية والأجنبية ايضا بطريقة سلمية من اجل انقاذ العراق من محاصصة ومشاريع طائفية تقف وراءها انظمة وقوى تخريبية تستهدف المجتمع العراقي واستقراره وزرع بؤر الارهاب في اجناب العراق الجريح.

تأكيداً لهذه التعقيدات، خرجت ما يعرف بـ«المبادرة الوطنية» من رحم المجتمع العراقي لتزاول نشاطها السلمي وتنظيم اجتماعاتها بدعم بعض الدول الخليجية والعربية ايضا، خاصة الجار العربي الاردن، الذي احتضن سلسلة من المؤتمرات لإنقاذ العراق العربي الهوية والانتماء.
العراق الشقيق بحاجة الى دعم ترميم الانشقاق في صفوفه، وبحاجة الى دعم مؤسسات المجتمع وقادة الرأي، وعدم حصر العلاقة في الدعم من خلال النافذة الرسمية فقط، وإنما نوافذ الشعب العراقي الذي ينبغي ان يجمعه الوطن والمواطنة، حتى تسود الوحدة الوطنية في دولة لم تتنفس الاستقرار الى اليوم!
نتمنّى ان تستكمل الكويت حكومة وشعبا مسيرة المساعي الطيبة والاستفادة من دروس الماضي واستشراف مستقبل الشراكة مع الشعب العراقي الشقيق في مواجهة عواصف ومخططات، قد يكون ما شهدناه قبل سنوات ليس سوى القليل من الكثير الخافي من مستقبل محفوف بالمخاطر والتهديدات.
وحدة العراق لن تتحقّق في اعادة اعماره بالمشاريع، وإنما من خلال اعادة بناء الدولة المدنية وإعادة زرع الامل في نفوس افتقدته قبل طاغية بغداد وبعده، ولعل مؤتمر اعادة اعمار العراق البداية نحو شراك حقيقية على مختلف الأصعدة وفي كل الاتجاهات.
العراق بحاجة إلى وحدةٍ لا تتفتت، ومجتمعٍ لا يتمزّق.