عبداللطيف الدعيج
عنوان مقال الخميس الماضي «رَوَّضوهم» تم تشكيله خطأ. فالمقصود أن السلطات الرجعية السياسية والاجتماعية روضت المواطنين. لكن التشكيل حول الكلمة الى فعل امر. وذلك بوضع الكسرة تحت الشدة.. حيث اصبح المعنى ابدأوا بترويضهم. دعوة السلطات الى ترويض الناس لا يتفق مع الرأي الذي اعتنقه ويتناقض تماما مع الكتابات المتتالية الاخيرة عن حرية الرأي والانفلات من الوصاية السياسية والاجتماعية.
هذا اي الخطأ يتفق مع سياق المقال لانه يعني انه تم ترويضنا جميعا بمن فينا من شكّل العنوان. وقدرة السلطات واصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي على تغيير عقليات وحتى معتقدات الناس امر مفروغ منه. فالتاريخ يشهد على نتائج ذلك، حيث تم في كثير من الاحيان تغيير ديانات او مذاهب شعوب بفرمانات سلطوية. وهذا تصديقا للمثل الرائج «الناس على دين ملوكهم».
* * *
اليوم يبدأ مؤتمر اعادة اعمار العراق الذي تبنته ودعت له الكويت. وسوف يشارك في هذا المؤتمر كثير من الدول والمؤسسات. ولا شك في ان لكل من هؤلاء شكوكه ومحاذيره التي تمليها طبيعة منطقتنا المتوترة والمتحاربة على الدوام، خصوصا ان رأس المال جبان، وبحاجة دائما الى ضمانات وتشجيع واضح ومؤثر لاقناعه بالاسهام والمشاركة، او المخاطرة كما يراها صاحب المال.
الكويت بحاجة الى ان تكون مثالا لبدء الإعمار، ومحركا للمساهمة المرجوة من المشاركين في المؤتمر، ولعل خير ما يبدأ به المؤتمر هو إعلان الكويت عن إسقاطها لديونها ومطالباتها العائدة لنتائج الغزو والحرب العراقية الايرانية. فهذه ستكون دافعا ومشجعا للبقية للاسهام في القيام بمهامهم مع عراق متحرر من أثقال وتبعات الماضي الصدامي، وقادر بفعل الدعم الدولي على البدء في البناء واللحاق بما فات. وربما سيكون دافعا اكبر ايضا إعلان الكويت تقديمها قروضا ميسرة، او حتى بلا فوائد لعراق الإعمار، لأن إسقاط المطالبات وتحرير العراق من ديون الماضي لن يكونا كافيين وحدهما في ظل الالتزامات التنموية المطلوبة.
أعلم ان الكثير من الكويتيين سيعترضون او ربما سيتقبلون امر الدفع بدلا من الاخذ مع العراق على مضض. لكن صراحة.. نحن لا ندفع فقط بسبب التزاماتنا العربية والانسانية، ولكن ندفع ايضا لمصلحتنا الذاتية الخاصة. فنحن في كل اتجاه بحاجة الى جار مستقر وشعوب لديها ما تحافظ عليه، لا شعوب بائسة وانظمة غير مستقرة تبحث عن مجال لتفريغ همومها او تصدير مشاكلها. وجود جيران «مرتاحون» ولديهم مثلنا ما يهمهم الحفاظ عليه سيجنب المنطقة القلائل وسيفتح مجالات اكثر للتعاون والارتقاء.
التعليقات