حمد الكعبي

التفاعل الثقافي وسيلة حيوية لتحقيق التناغم بين الشعوب، والتقارب مع الآخر، والتكامل في الوصول إلى الغايات المعرفية والقيم الإنسانية الراقية المشتركة، فهي إذن الأداة المثلى للسلام والاستقرار العالمي.

وهي الطريقة الصحيحة الناجحة لتقبل الآخر، وترسيخ روح المودة والشراكة وتبادل المنافع، وبلوغ مقاصد التعارف والتعاون والتضامن الإنساني. فالحوار البناء القائم على التفاهم والتناغم هو أساس التنمية الشاملة التي تسعى إليها الدول والحكومات والشعوب.

والآن نحن نعيش حقبة ذهبية من تاريخ الدولة، والحمد لله، وبين أيدينا كنز ثمين، ونحن نسير في مسار واضح، وبخطى واثقة على طريق العالمية لتسويق ثقافتنا ومعرفتنا وهويتنا العريقة، ولاشك أن من أكثر ما يفيدنا في ذلك من مبادرات وشراكات، مباردة الحوار الثقافي الإماراتي الفرنسي الزاخرة بمعانيها والجلية بمفهومها، والتي تجتمع فيها أرقى معاني ومفاهيم التسامح والتعددية التي دعت إليها جميع الأديان. كما أن هذا التبادل الثقافي، بين البلدين والشعبين، يُعد أيضاً فرصة متميزة لتوسيع أطر المبادرات في المشاريع والبرامج المختلفة، مثل الفن والذكاء الاصطناعي وحماية التراث الثقافي المعرض للخطر وتعزيز دور وحضور اللغتين الفرنسية والعربية في العالم.

ويأتي هذا أيضاً تتويجاً لجهود مشتركة من أجل تطوير المزيد من التعاون الذي يركز على الشباب والإبداع والابتكار وتبادل المعارف والخبرات. والأهم من ذلك كله هو (عام الحوار الثقافي الإماراتي الفرنسي)، الذي يشمل عدداً من المبادرات التي تجمع شخصيات فرنسية وإماراتية تستطيع أن تحقق من هذا الحوار العديد من المكاسب، ونشر المزيد من الخبرات والمهارات والقدرات الإبداعية التي تنعكس بلاشك على رفع عوائد ومخرجات التنمية الإنسانية التي تطمح إليها الشعوب والمجتمعات. ولو تأملنا قليلاً مكاسب التقارب الثقافي مع الآخرين سندرك ذلك النتاج المهم والحيوي في مكاسب حضارية وعلمية كبرى من ضمنها صرحان من أكبر صروح العلم والثقافة والفنون في العالم، لتكون الإمارات مقراً لهما، وهما «جامعة السوربون أبوظبي»، و«متحف اللوفر»، وهما منصتان ورافعتان مهمتان للانطلاقة الراسخة نحو الثقافة العالمية، ويكتسي وجودهما دلالة واضحة على مدى ثقة العالم بدولة الإمارات، واحترامه العميق وتقديره لخياراتها الثقافية والحضارية، حيث يمثل هذان الصرحان شرف وفخر العلوم والثقافة والفنون الفرنسية والعالمية أيضاً، حيث تأخذ جامعة السوربون الفرنسية العريقة من مختلف علوم وثقافات العالم وتعطي في الوقت نفسه، وهي منار علم ومعرفة يعرف العالم كله نتاج علمها وأبحاثها، بينما يُعد متحف اللوفر، أعظم متاحف العالم، ويضم في أروقته وأجنحته ورفوفه أشهر وأروع إبداعات الفن العالمي ومآثر وذخائر الحضارات الإنسانية على مر الأزمنة والعصور.

ولاشك أن الثقافة الإماراتية قدمت وتقدم الكثير للعالم، ويمكن عرض بعض مآثرها وذخائرها الخالدة، كعرض مجسم لحصن أبوظبي الشهير في إحدى أهم المدن الفرنسية لمنح العالم فرصة التعرف على التجربة الثقافية والحضارية الثرية للإمارات، أو المقتنيات الأثرية للإمارات، وثقافتها الغنية بالأدباء والفنانين والشعراء والفلاسفة والرسامين الذين مروا بذلك الصرح على مر الأزمنة والسنوات. والذين سيعملون على نقل رسالة السلام الإماراتية والتسامح الذي نعيش فيه للعالم أجمع، وتقديمها في فضاءات أرحب وأشمل.

فالتبادل الحضاري هو جوهر الشراكة البناءة والتفاعل، وثمة مشتركات قيمية كثيرة مشتركة بين الجانبين. والعامل المشترك بين كل من الثقافتين الإماراتية والفرنسية هو التعددية الثقافية، والتسامح مع الآخر، والرغبة الصادقة في الاطلاع والتعلم والتفكر ونقل الإبداعات والابتكارات.

وهذه، مرة أخرى، هي رسالة التفاعل الثقافي في توطيد أواصر التواصل والحوار بين الشعوب، مما يُعزز قوة مبدأ السلم العالمي الذي تتوق لتحقيقه البشرية عبر العصور. فالشعوب التي تتحاور ثقافياً تسد الأبواب أمام كل صور سوء الفهم وأسباب الصراعات، لأن لغة الحوار أشد تأثيراً ورُقياً من لغة القوة الخشنة. ويترسخ ويتكرس السلام العالمي ويأخذ صفة الاستدامة عندما تُبدي كل الشعوب احترامها لثقافة بعضها بعضاً، والتزامها أيضاً بتقدير وتثمين نمط حياتها ومعتقداتها.

فالثقافة هي النافذة الوحيدة التي تتمكن الشعوب من خلالها من تحديد هويتها، وفرض احترامها، وهي الوسيلة الوحيدة أيضاً التي تسمح لها بالتعرف على الثقافات الأُخرى، والدخول معها في حوار ثقافات وحوار حضارات إنسانية، بطريقة راقية، ووفق معادلة إيجابية، يستفيد فيها الكل فائضاً من الأرباح والمكاسب والنجاح.

التعاون الثقافي الفرنسي- الإماراتي يُعد نموذجاً يحتذى في العلاقات بين الدول، فهو تعاون يظل راسخاً كونه ينطلق من تفاعل شعبي يتجاوز التعاون السياسي الذي يتأثر عادة بمستجدات الأمور.