نوال السعداوى

 دق جرس التلفون وجاءنى صوت فتاة اسمها «سلسبيل» لأول مرة أسمع هذا الاسم، له رنين موسيقى فى أذني، سلسبيل الماء العذب، يذكرنى بالماضى البعيد، وأنا طفلة أجرى على شط النيل، سمعته فى اللاوعى العميق بصوت جدتى والدة أبي، كانت تحكى عن أمها وجدتها الغزاوية، التى ماتت مقتولة، تسلل القتلة فى الظلام إلى دارها، رجال العمدة والملك والإنجليز، كان خيالى الطفولى يسرح: كلهم قتلوها يا جدتي؟ أيوه يا بنت ابني، كلهم قتلوها وكمان السلطان فى إسطنبول وفى غزة كمان، ترن كلمة غزة فى أذنى شبيهة بكلمة وزة، وكنت أرى فى حقل جدتى الكثير من الدجاج والحمام والبط، تتوسطها وزة كبيرة بيضاء، عنقها طويل شامخ كالعنقاء . قالت «سلسبيل» إنها موظفة فى سفارة فلسطين بالقاهرة، وأن وفدا من فلسطيينى 48 برئاسة الأستاذ أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة يزور مصر الآن ويطلب موعدا، لأول مرة أسمع عبارة «القائمة المشتركة»، وخجلت أن أسألها، فأفضح جهلى بكفاح الفلسطينيين داخل إسرائيل، رغم أن المقاومة من الداخل أقوى من الخارج فى رأيي، وكان يزورنى فى بيتى أو مكتبى على مدى السنين شباب وشابات من «أم الفحم» وغيرهم من فلسطينيى 48، الذين لم يغادروا وطنهم وواصلوا المقاومة تحت الاحتلال، وكان بعض أصدقائى المصريين يرفضون مقابلتهم لأنهم يحملون جواز سفر إسرائيليا، وهذا منطق غير مقنع كما أن جواز السفر ليس إلا ورقة لتسهيل الانتقال عبر الحدود ولا علاقة له بالإخلاص الوطني. السبت 10 فبراير 2018 جاء الوفد الى بيتى حيث مكتبى أيضا، أربعة أشخاص، الأساتذة أيمن عودة، سلام بلال، د.سمير خطيب وبلال كيال، جميعهم أعضاء بالقائمة المشتركة فى البرلمان الإسرائيلي، وكان عندي، قبل حضورهم، اجتماع مع بعض الشباب المصريين فاشتركوا معنا فى اللقاء .

قال أعضاء الوفد: نحن جبهة ديمقراطية تكونت فى 17 مارس 2015 ، وهى إطار تحالفى تضم الجميع فى فلسطين من أجل الوحدة وعلاج الانشقاق، دون إقصاء لأحد، تضم الجبهة جميع الفصائل القومية والإسلامية والشيوعية والليبرالية واليسارية من العرب واليهود المناوئين للصهيونية . هدفنا الوحدة، وما نهتم به الآن نشر «ثقافة الوحدة»، لأن الوحدة الفوقية بين القيادات لم تستمر، لابد من الوحدة من الجذور الشعبية، والأهم هو تعميق فكرة الوحدة فى الثقافة والوجدان الشعبي، الفردى والجماعي، تقوم فلسفتنا على أن التناقض الرئيسى هو مع الصهيونية، وعلينا ألا نجعل التناقضات الثانوية تغرقنا وتفرقنا، المهم مناقشة الاختلافات بيننا وليس إدانتها، منذ الاحتلال الإسرائيلى لبلادنا عام 48 مرت سبعة عقود، لم نتمكن من التحرر من الصهيونية والاحتلال، بسبب الانقسامات الفلسطينية وشرذمة الأمة العربية، والانشغال بالتناقضات الفرعية، لابد من التعايش السلمى مع الفكر القومى والإسلامى والشيوعي، نؤمن بالعدالة الاجتماعية والمبادئ الكونية الإنسانية، العدو الرئيسى لنا هوالصهيونية، وأيضا اليمين الإسرائيلي. القائمة المشتركة تضم الفلسطينيين الذين بقوا فى وطنهم، فى حيفا ويافا وعكا والناصرة، رغم النكبة لم نغادر فلسطين، بقينا فى الوطن نتمسك به ونلوذ عنه، انتماؤنا لشعبنا الفلسطينى وأمتنا العربية، بلغ عددنا اليوم أكثر من مليون ونصف مليون فلسطينى نمثل نحو 20% من المواطنين فى إسرائيل، نجحت قائمتنا المشتركة فى الانتخابات وحصلنا على ثلاثة عشر مقعدا فى البرلمان الاسرائيلى لنصبح القوة الثالثة فى البرلمان. وأصبح نيتانياهو ينفخ فى الأبواق محذرا من تدفق العرب بالحافلات إلى صناديق الانتخاب مما يكشف زيف الديمقراطية الإسرائيلية وحكومتها، التى تتعامل معنا كأعداء فى الداخل، ولسنا مواطنين مثلهم، وقد أعلنت إسرائيل أنها دولة يهودية مع أنها مزدوجة القومية، لذلك نرفض يهودية الدولة، فاليهود لا يمثلون إلا 80 % من الشعب.

معنا فى القائمة المشتركة ثلاث نساء، منهن السيدة «عايدة توما» وهى رئيسة لجنة مكانة المرأة فى البرلمان الإسرائيلي، تنوب عن العرب واليهود لتحقيق جوهر العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجال والنساء، وكانت رئيسة تحرير صحيفة الاتحاد. فى نهاية اللقاء قلت إن وحدة الشعب هى القوة الحقيقية، لا ينجح الغزو الأجنبى إلا بالتعاون مع الحكومة بالداخل التى تقسم الشعب، لهذا انهزم الشعب الفلسطينى والشعوب العربية ، لكن الأمور تتغير الآن، مع تزايد الألم والوعى والثورة .