توماس فريدمان
قبل أسبوعين، أثناء تواجدي في مرتفعات الجولان عند الحدود السورية الإسرائيلية، كنت أظن أن تلك الحدود هي «ثاني أخطر» منطقة حرب في العالم حالياً، بعد شبه الجزيرة الكورية، لكن بعدما شاهدت الحفل الافتتاحي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، حيث دخل الرياضيون من شطري الجزيرة الشمالي والجنوبي معاً في وئام إلى أرض الملعب الأسبوع الماضي، وبعدما شاهدت إسرائيل تسقط طائرة إيرانية من دون طيار قادمة من سوريا، وتقصف قاعدة إيرانية داخل الأراضي السورية، وتخسر إحدى طائراتها الـ«إف 16» بفعل صاروخ سوري، وبعدما قتلت طائرات أميركية مجموعة من «المتعاقدين» الروس اقتربوا من القوات الأميركية في سوريا، فإنني الآن أتصور أن الحدود السورية الإسرائيلية اللبنانية هي أخطر ركن على وجه الأرض.
وليس ثمة مكان آخر، يوجد فيه مستشارون أو قوات من سوريا وروسيا وأميركا وإيران وتركيا، متمركزين على الأرض وفي الجو، إلى جانب مرتزقة شيعة موالين لإيران من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، ومقاتلين أكراد موالين للولايات المتحدة من شمال سوريا، وفلول تنظيم «داعش»، ومتمردين سنّة مناهضين لنظام الأسد، بل أيضاً «متعاقدين» قوزاق أرثوذكس روس ذهبوا إلى سوريا للدفاع عن روسيا الأم من «البرابرة المجانين»، وجلّ تلك القوات تواجه بعضها بعضاً!
ومثلما أشارت «واشنطن بوست»: «في غضون أسبوع واحد، خسرت روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل طائرات بسبب نيران معادية» في سوريا. ولا يوجد وصف أبلغ من «برميل بارود» لإطلاقه على ذلك المكان! لكن إذا كانت تلك القصة قد فاجأتك وأربكتك بشأن ما ينبغي أن تكون عليه السياسات الأميركية، فدعني أحاول تبسيط الأمر لك.
إن النبأ السار والمحزن في آن واحد بشأن الحرب في سوريا هو أن الأطراف المتورطة كافة تقودها قاعدة فولاذية واحدة: «إنك لا ترغب في (امتلاك) هذه الحرب، فهي على أقصى تقدير (حرب للإيجار)»، ويريد كل طرف أن يُعظّم منافعه ويقلّص نفوذ منافسيه بتعريض أقل عدد ممكن من جنوده للخطر، وخوض معركة من أجل تحقيق أهدافه من خلال القوات الجوية والمرتزقة والمتمردين المحليين!
وقد تعلمت الدول المتورطة كافة أن شعوبها لن تتسامح مع سقوط عدد كبير من جنودها في أية حرب بريّة في الشرق الأوسط، فروسيا تعلمت الدرس من أفغانستان، واستفادته إيران من حربها مع العراق، أما إسرائيل فتلقته في جنوب لبنان، ولا تزال الولايات المتحدة تتلقاه في أفغانستان بعد العراق!
ويريد بوتين إخبار الروس أن «روسيا تعود» كقوة عظمى، وأنه «صاحب النفوذ الأقوى» في سوريا، لكنه لا يُعرِّض الجنود الروس للخطر، ويستخدم بدلاً من ذلك إيران لتقديم قوات برية وتجنيد «متعاقدين»، مثل «قوزاق» من شركة روسية خاصة تُعرف بـ«واجنر»، ليحاربوا ويموتوا على الأرض، كأولئك العشرات الذين قتلوا في الضربة الجوية الأميركية قبل أيام.
وفيما تواجه إيران مطالب داخلية بإنفاق أموالها على الشعب وليس في سوريا، أوكل النظام الإيراني الحرب البريّة، التي أوكلتها له روسيا، إلى وكلاء إيران من «حزب الله» والمرتزقة الشيعة من العراق وباكستان وأفغانستان، وبهذه الطريقة تحاول إيران السيطرة على دمشق واستغلال سوريا كقاعدة أمامية لممارسة الضغط على إسرائيل، لكن على أن يكون الدفع بسعر «الجملة» وليس «التجزئة»!
من جانبها، تدعم أميركا المقاتلين أكراد في شمال سوريا للقيام بحرب بريّة ضد «داعش»، وتستغل تركيا المتمردين السنّة لمحاربة الأكراد ذاتهم، بينما يواجه المتمردون السنّة القوات الموالية للأسد وإيران، وتستخدم إسرائيل ذارعها الطولى متمثلة في قواتها الجوية.
في 2003، كتبت مقالاً قبيل إطاحة الولايات المتحدة بصدّام حسين، وهو ما كنت أؤيده، لكنني حذرت في المقال قائلاً: «إن القاعدة الأولى لأي غزو للعراق هي قاعدة متجر الفخار: عليكم أن تدفعوا ثمن ما تكسرون، وقد مزّقنا العراق، وعلينا إصلاحه!».
وفي سوريا اليوم، يتفادى الجميع قاعدة: «عليكم إصلاح ما كسرتم!»، ولأنه لا أحد يرغب في تحمل مسؤولية مشروع إصلاح سوريا العملاق، فإن الجميع يرغب في استئجار نفوذهم هناك فقط.
ويبدو أن هناك ظاهرة حديثة في القرن الحادي والعشرين تؤثر على الحرب السورية، لكنها مأساوية، وهي أن الأطراف المحلية لا تمتلك القوة ولا الموارد الكافية، أو الرغبة للتسوية، من أجل إرساء الاستقرار في سوريا من القاع إلى القمة، ولا تبدو القوى الخارجية متأهبة لاستثمار قوة وموارد كافية لإرساء الاستقرار من القمة إلى القاع.
بيد أن النبأ السار، نوعاً ما، هو أنه في ضوء تفادي الجميع للخسارة في سوريا، يكاد يكون من المستبعد أن يتهور أي طرف بدرجة خطيرة، فمن المرجح بشكل كبير أن يواصل الإيرانيون و«حزب الله» استفزاز إسرائيل، لكن ليس بدرجة تحمل الإسرائيليين على تدمير جميع مناطق الحزب في لبنان أو ضرب الأراضي الإيرانية بصواريخها، وتعلم إسرائيل أن المنطقة التكنولوجية على طول الساحل ستتعرض للدمار إذا ما ردت إيران بضربات صاروخية انتقامية.
وربما سيشعر الجميع في نهاية المطاف بالكلل والتعب، ويتوصلون إلى اتفاق تقاسم السلطة في سوريا، مثلما فعل اللبنانيون في عام 1989 لإنهاء حربهم الأهلية، لكن رغم ذلك، استغرق اللبنانيون 14 عاماً لكي يتوصلوا إلى تفاهمات، لذا، علينا أن نتأهب لمزيد من الأخبار الواردة من سوريا.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
التعليقات