يوسف دياب

عكفت الحكومة اللبنانية على دراسة مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2018، المفترض أن يرتكز على إصلاحات مالية، تبدأ بخفض النفقات في جميع الوزارات والإدارات العامة، ولا تنتهي بمكافحة الفساد ووقف الهدر، لملاقاة الخطّة التي ستقدّمها الحكومة في مؤتمر «باريس4» المخصص لدعم الاقتصاد اللبناني، عبر منح قروض مالية ميسرة، تصرف على مشاريع البنى التحتية وتنمية القدرات البشرية على مدى 20 عاماً، إلا أن خبراء قللوا من القدرة على تقليص النفقات وتحفيز الإيرادات.


وفي أول جلسة عقدها مجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا، شكّل لجنة وزراية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي أبلغ الوزراء أنه سيدعو إلى «عقد جلسات متتالية لإنهاء البحث بالموازنة بسرعة». وقال: «هناك حوافز ستدرس خلال الجلسات وأفكار نتشارك فيها لوضعها داخل الموازنة»، مشدداً على «إقرار الإصلاحات والمحافظة على عدم زيادة الدين العام».
وإذا كان الاجتماع الأول لم يقطع شوطاً كبيراً على طريق إقرار الموازنة، فإنه فتح القنوات أمامها، على حدّ تعبير وزير شؤون النازحين معين المرعبي، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة «لم تدخل بعد في التفاصيل الدقيقة للموازنة، إنما ناقشت الأرقام بشكل عام، وشكّلت لجنة برئاسة الرئيس سعد الحريري، تضمّ ممثلين عن كلّ القوى السياسية، وهي ستجتمع بشكل يومي، وعلى نتائج اجتماعاتها يلتئم مجلس الوزراء ليقرّ ما يجب إقراره». ورأى أن «الأمور مقبولة بالحدّ الأدنى، وهناك تفهّم من الجميع لتجنيب البلاد تبعات الأزمات والحرائق المحيطة بها». وأضاف: «الحكومة قادرة على تخفيض العجز في الموازنة، وهناك إصرار من الرئيس الحريري على ذلك».
لكن الخبير الاقتصادي والمالي عدنان الحاج، اعتبر أن هناك «صعوبة في تقديم موازنة واعدة، بسبب الوضع الاقتصادي المتراجع والنمو الضئيل جداً». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «النمو لا يتحقق في ظلّ وضع اقتصادي سيئ، إلا إذا نجحت الحكومة في تقليص النفقات»، معتبراً أن «ترشيد الإنفاق ووقف الصرف العشوائي قد يحسن أرقام الموازنة، لكنه لا يحسن النمو الاقتصادي»، مشيراً إلى أن «الانتعاش الاقتصادي يتحقق من خلال تعزيز الإنتاج وزيادة الصادرات وتفعيل إيرادات الدولة، وتحسين مناخ الاستثمار واجتذاب رساميل واستثمارات خارجية جديدة».
ويعلّق لبنان آمالاً كبيرة على مؤتمر «باريس4»، المقرر عقده في العاصمة الفرنسية باريس، أواخر شهر أبريل (نيسان) المقبل، ليحصل على منح وقروض تقدّر بـ16 مليار دولار، تنفق على مشاريع تطوير النبى التحتية، وخلق آلاف فرص العمل الجديدة للشباب اللبناني وتنمية الخدمات، لكن الدول والصناديق المانحة، تشترط على الدولة اللبنانية اتخاذ إجراءات إصلاحية للمال العام ووقف الهدر والفساد وترشيد الإنفاق.


وشدد الوزير المرعبي، على أن «العجز عن تخفيض عجز الموازنة ستكون آثاره سلبية جداً، وسيؤدي إلى (يوننة لبنان) (من وحي الانهيار الاقتصادي الذي شهدته اليونان)». وقال: «الخيارات ضيقة جداً، ولا حلّ لدينا إلا بتخفيض العجز مهما بلغت الصعوبات، ومهما كانت التضحيات، قد نتحمّل تبعات خفض الإنفاق، لكننا لا نتحمّل انهيار كل شيء في البلد، لأن استمرار الوضع الحالي سيوصلنا إلى الإفلاس المحتّم». وتابع المرعبي: «ليس لدينا ترف البقاء كما نحن، لا بد من المضي بمكافحة الفساد ووقف الهدر والسمسرات، وضبط تهريب البضائع عبر المطار والمرافئ والمعابر البرية غير الشرعية».
وثمة شروط يجب توفرها لتقديم الدعم الخارجي، ورأى الخبير الاقتصادي عدنان الحاج، أن لبنان «يحتاج إلى تقديم صورة حسنة عن النتائج المالية، لكي يحصل على مساعدات مالية من الدول والصناديق المانحة خلال مؤتمر (باريس4)». واستطرد قائلاً: «إذا لم تتحقق خطوات جذرية، لن يجني (باريس4) النتائج المرجوة». وأكد أنه «مجرّد أن يتحسن الوضع المالي والاقتصادي يتحسن تلقائياً التصنيف الائتماني، وكذلك فرص الاستثمار وترتفع نسبة النمو الاقتصادي».
من جهته، أعلن وزير المال علي حسن خليل في تصريح له بعد جلسة مجلس الوزراء، أن «النقاش كان عاماً حول التوجهات السياسية المالية والاقتصادية والنقدية». وقال: «هناك حاجة للانتباه إلى وضع ماليتنا العامة، بعد مراجعات الهيئات الدولية التي تتابع وضعنا المالي»، مشيراً إلى أن «هناك إصراراً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري وكل الوزراء للإسراع بإنجاز الموازنة». وكشف وزير المال عن «التزام الحكومة بإقرار سريع للموازنة، وقد يكون مع نهاية الشهر الحالي وإحالتها للمجلس النيابي». وقال: «كما عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه إذا أحيلت خلال 15 يوماً، فهناك إمكانية أن تقر قبل الانتخابات النيابية وهذا الأمر واجب وليس ترفاً إذا كنا جديين في التحضير لمؤتمرات دعم لبنان، ولا يمكننا أن نذهب إلى هذه المؤتمرات ونطلب دعماً للبنان ونحن من دون موازنة عامة».