مكرم محمد أحمد

 هل تذكرون حادث إطلاق النار العشوائى على إحدى المدارس العليا فى ولاية فلوريدا والذى أدى إلى سقوط 17 قتيلاً من طلاب المدرسة إضافة إلى 14 آخرين من المارة، وحفز طلاب المعاهد العليا فى جميع الولايات المتحدة على المطالبة بتقييد حق إستخدام الأسلحة النارية، وأحالهم إلى جماعات ضغط قوية نجحت لأول مرة فى كسب أغلبية الشارع الأمريكى، والتنديد بمواقف الحزب الجمهورى الذى يعارض أى تغيير يفرض قيوداً على حق المواطن الأمريكى فى إمتلاك سلاح نارى .

ويبدو أن الشباب الأمريكى نجح فيما لم ينجح فيه السياسيون ورجال الأحزاب والنخبة الأمريكية إلى حد أن ثلثى الأمريكيين يؤيدون الآن صدور قوانين أشد صرامة، ويشكلون غالبية تصل إلى 75 فى المائة هى الأكثر وضوحاً منذ عام 2008، رغم ضغوط الجمعية الوطنية للأسلحة النارية التى تشكل أقوى مجموعات الضغط الأمريكى دفاعاً عن حرية بيع الأسلحة، والتى أنفقت أكثر من 54 مليون دولار رشاوى إنتخابية عام 2016 للترويج للمرشحين الذين يدعمونها إضافة إلى 31 مليون دولار من هذا المبلغ ذهبت للإنفاق على إنتخابات الرئيس ترامب الذى يمثل أكبر داعم للجمعية الوطنية للأسلحة النارية.

وتعتبر مسألة حرية إمتلاك الأسلحة واحدة من أكثر القضايا التى يختلف حولها الحزبان الرئيسيان فى الولايات المتحدة الأمريكية، الجمهوريون الذين يرفضون أى قوانين أكثر صرامة بنسبة تصل إلى 66 فى المائة، والديمقراطيون الذين يؤيدون صدور قوانين أشد صرامة بنسبة تصل إلى 86 فى المائة وخلال الشهر والنصف الأول من عام 2018 تم تسجيل 18 حادث إطلاق نار عشوائى على المدارس الأمريكية، وكما تؤكد دراسة موسعة أجرتها صحيفة الجارديان فإن من بين مليون شخص فى الولايات المتحدة يُقتل بسلاح نارى 30 شخصاً فى المتوسط، وهو ما يساوى 16 ضعف الرقم فى ألمانيا، وستة أضعاف الرقم فى كندا! وبرغم جهود الرئيس السابق أوباما على إمتداد فترتى حكمه لم ينجح فى إستصدار تشريع يقيد حق إستخدام الأسلحة النارية رغم وقوع أسوأ هجوم إطلاق نار فى تاريخ الولايات المتحدة فى مطلع أكتوبر عام 2017 فى لاس فيجاس، ورغم سقوط 33 ألف شخص فى العام بمعدل 268 شخصاً فى اليوم الواحد بواسطة السلاح النارى!

وبينما كان عدد سكان الولايات المتحدة عام 2014 نحو 319 مليون شخص كان عدد قطع السلاح 371 مليون قطعة، بما يعنى أن عدد الأسلحة يفوق عدد السكان أنفسهم، ولا ينافس الولايات المتحدة فى ذلك سوى اليمن، وتعد ولاية كاليفورنيا الأكثر صرامة فى شروط بيع وتداول الأسلحة، بينما يستطيع الفرد فى ولاية تكساس حمل السلاح دون ترخيص، وتصل نسبة ترخيص السلاح إلى حدود 12 فى المائة بينما يمتلك 88 فى المائة من سكان أمريكا السلاح دون أى ترخيص، ولا يزال الرئيس ترامب يرفض أى قيد على إستخدام السلاح سوى رفع سن حائز السلاح من 18 إلى 21 عاماً لأنه كما يقول من السابق لأوانه بحث السياسات الخاصة بفرض قيود على حمل السلاح، ومن الضرورى عدم إنتهاك هذا الحق الدستورى للمواطن الأمريكى !، ويعتقد ترامب أن الحل الممكن هو تدريب مجموعة من المدرسين على حمل السلاح سراً لمنع إطلاق النار العشوائى فى المدارس الأمريكية، وهو الأمر الذى يعارضه معظم الأمريكيين وبخاصة المدرسون، ويرون أن الحل الأسهل والأقرب فرض بعض القيود على إقتناء الأسلحة، لأنه من غير المعقول أن يكون فى وسع التلميذ وهو لم يتجاوز 18 عاماً أن يشترى دون أى قيد بندقية من هذا النوع التى إستخدمها طالب المدرسة العليا فى فلوريدا (ار 15)، شبه الآلية التى يمكن أن تطلق 45 رصاصة فى الدقيقة الواحدة، والتى يوجد منها أكثر من 10 ملايين قطعة فى حوزة الأمريكيين، ويمكن للشاب شراؤها قبل أن يسمح له القانون بشرب الكحول أو دون أن يخضع لفحص سيرته الذاتية، والغريب فى الأمر أنه على إمتداد السنوات العشر الماضية لم يتم إقرار أى قانون فى الولايات المتحدة بهذا الشأن، وربما كان من أهم التطورات التى وقعت أخيراً أن أكثر من 90 فى المائة من الأمريكيين يطالبون بإجراء تحقيقات حول سوابق المشترين للأسلحة لأن القانون الراهن لا يوجب على باعة الأسلحة فى القطاع الخاص التحقيق فى سوابق الزبائن, فهل يمكن لمجموعة من الطلاب أن تصحح الوضع برمته، وتهزم نخب الأحزاب والجمهوريين ومجموعات الكونجرس وتقيد حق إستخدام البندقية فى الولايات المتحدة.