محمد خليفة

حرصت المملكة العربية السعودية على ترسيخ دعائم النهج الإسلامي، بإقامة العدل ونصرة الحق، ولقد اختصها الله بشرف خدمة الحرمين الشريفين، ولها أن تعتز وتفاخر بهذه النعمة التي أسبغها الله عليها، وعلى شعبها. 
ولما كان كل ذي نعمة محسود، تعالت في الآونة الأخيرة دعوات مشبوهة لتدويل الحرمين، بحجة أن المملكة العربية السعودية تقصّر في واجباتها تجاه الحجيج والمعتمرين، وقد أطلقت هذه الدعوات دول وجهات لا تخفي عداءها للمملكة، بهدف إحراجها، وممارسة الضغوط عليها. 

ويعني مصطلح، تدويل الحرمين، أن يكون تنظيم شؤون الحج وتسييره وتنظيم منطقة الحج بأسرها، مشتركة بين عدة دول، وأن تخضع هذه المنطقة للقانون الدولي، وتخرج عن سيطرة القانون المحلي. 
وقد اعتبرت المملكة أن مطالب تدويل الأماكن المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، بمنزلة عمل عدائي، يمثّل انتقاصاً من سيادتها على أرضها، ويُعد بمثابة إعلان حرب عليها. 
وفي الواقع فإن المملكة، ومنذ توحيدها على يد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، عام 1932، قد دأبت في بذل كل ما في وسعها لخدمة الحجيج، وتوفير كل سبل الراحة، من تأمين الحج والرعاية الطبية وتوفير السكن والمواصلات، وغيرها من متطلبات هذا الموسم الذي يحتاج كل عام إلى جهد مضاعف؛ نظراً لتضاعف عدد الحجيج والمعتمرين عاماً بعد عام. 
وقد قامت المملكة على مر السنين بهذا العمل خير قيام، ولم تألُ جهداً، ولم تدّخر وسعاً، فكانت وما تزال تصدر التأشيرات للراغبين في الحج أو العمرة، وتوفر لهم الرعاية الصحية خلال تطوافهم وسعيهم في الأماكن المقدسة، كما تسهر على أمنهم وحمايتهم، وتحرص على أن يعود ضيوف الرحمن إلى بلادهم وقد أدّوا شعائرهم ومناسكهم راضين مطمئنين. 
وقد دأبت المملكة على القيام بأعمال جليلة لتقديم أفضل الخدمات في المشاعر المقدسة، فعملت على توسعة المسجد الحرام في عهد الملك سعود، واستغرقت التوسعة حوالي 10 سنوات، وشملت إزالة مبانٍ كانت تضيق على المصلين والطائفين في صحن المطاف، مثل مظلة زمزم، وباب بني شيبة، والمقامات الأربعة، وشملت أيضاً تحويل مجرى مياه الأمطار بين جبل الصفا والمبنى العثماني، وتمت تهيئة الميادين والشوارع ومواقف للسيارات القريبة من المسجد الحرام في جميع جهاته، على أحدث نظام في ذلك الوقت. 
كما وضع الراحل الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس لما عُرف بمشروع أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ أربعة عشر قرناً، وشملت هذه التوسعة إضافة جزء جديد إلى المسجد من الناحية الغربية، واستيعاب عدد أكبر من المصلين، ليصل إجمالي القدرة الاستيعابية للحرم، مليوناً ونصف المليون مصلٍ. وتم تزويد مبنى التوسعة بنظام التكييف، وأنشئت محطة تبريد مركزية لتلطيف الجو بالماء المبرد، إمعاناً في الحفاظ على راحة وصحة المصلين.
وقد ظلت وتيرة التطوير متسارعة ومتصاعدة أفقياً ورأسياً، من عام إلى آخر. وقد واصل الملك سلمان بن عبد العزيز المسيرة الخيّرة، وعمل على توسعة وتطوير الحرم المكي وفق أحدث النظم العلمية والهندسية الحديثة، وصنع من الجغرافيا أجمل وأرحب ساحة لوحدة الأمة الإسلامية، وزيادة العمل الخيري بشكل كبير، ينم عن إنسانية أصيلة، وخيرية متجذرة في القلوب، تقدم الكثير من أجل شعوب العالم والإنسان.
ففي عهده، تقدم المملكة، في كل خطة تطوير جديدة، نموذجاً متفرداً في نوع وكمّ هذه الخدمات، بحيث صارت مهمة خدمة ضيوف الرحمان، بتميز وإتقان وأمان، من أولويات التخطيط الاستراتيجي للمملكة، والتي يتم إدراجها ضمن خطط تنمية وتطوير الاقتصاد الشاملة، باعتبار أن تطوير مناطق المشاعر المقدسة، هو في الأصل تطوير للمناطق التي تتواجد فيها.
إن اهتمام المملكة بالمشاعر المقدسة وقيامها بخدمة زائريها واجب ديني، لم تقصر فيه المملكة يوماً، فهي تسعى بكل ما أوتيت من إمكانات إلى القيام به على أكمل وجه، وذلك أمر لا ينكره إلا مطموس البصيرة، الذي يقصد من ذلك الإضرار بقبلة العالم الإسلامي وحاضنته، وقلب الخليج النابض، لذا فالهدف من وراء هذه الدعوة المسمومة تمزيق المملكة، والانتقاص من سيادتها، وفرض الهيمنة على قراراتها، فيما يخص شؤون الحرمين، وما يتعلق بذلك من قرارات تضع المملكة رهناً لكيانات تريد العبث بها وبمكانتها السياسية والدينية. 
لذا لن يجني القائمون خلف تلك الدعوات المشبوهة سوى الخسران؛ لأن المملكة العربية السعودية ومن ورائها الدول العربية والإسلامية، لن تسمح بأن يتطاول على سيادتها أحد مهما كان، ولديها من الإمكانيات والحلفاء ما يجعلها قادرة على ردّ كيد الكائدين والحاسدين.