فيصل العساف

 إبان الحرب على حركة «حماس» في 2012 وبعد إحدى الغارات الإسرائيلية مباشرة، كان مراسل إحدى القنوات التلفزيونية يلتقي جموع الناجين، في تلك الأثناء أمسكت امرأة المايكروفون وأخذت تبتهل إلى الله أن يلاقي الخليجيون ما لاقاه الفلسطينيون!

قطعت تلك الهاربة من جحيم القصف حبال التعاطف والألم على معاناة «الأشقاء» التي كنت أكابدها، وأخذتني بعيداً، إلى حيث الأسئلة التي ما تكاد تندثر في رحم النسيان والهم العربي المشترك إلا ويتم نكؤها بمخالب «الحقد» الذي لا أجد مبرراً له على الإطلاق. ماذا يريد بعض الشعب الفلسطيني من الخليجيين بعامة، وبخاصة السعوديين؟ هل يريدون الدخول في حرب خاسرة مع الإسرائيليين مثلاً! ألا يعلمون حقيقة موازين القوى التي تميل إلى كفة إسرائيل؟

في صلح الحديبية، وما حصل فيه من قصة الصحابي أبي جندل، حين أخذ يستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، قائلاً: أتذرونني إليهم ليفتنوني في ديني؟ والنبي لا يزيد على قوله: لعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً! ماذا لو افترضنا «جدلاً» مشهداً مغايراً للذي حصل، وأن أبا جندل دعا الله أن يمكّن قريشاً من رقاب المسلمين، بعد أن ارتضوا رده إليهم إنفاذاً للصلح. في ظني أن المشهد لن يكتمل إلا وعمر بن الخطاب واقف مستلاً سيفه، يقول: يا رسول الله ائذن لي في ضرب عنقه.

لو أن لي من الأمر شيئاً، لأغرقت الفلسطينيين خطباً عصماء رنانة، تشبع نهم الكلمات الذي يجيده حتى أطفالهم، وقلت في إسرائيل ما لم يقله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وأكملت مسيرة الحياة في بلدي بالارتقاء على ظهر «الكضية». ستُعلق صوري عندها في شوارع غزة أسوة بخليفة بن حمد وأردوغان، بكل تأكيد.

في المناسبة لو أخدت عينة من الفلسطينيين وسألتهم عن أبرز الداعمين لهم في الشرق الأوسط؟ فإن الغالبية العظمى منهم ستختار قطر وتركيا، ولو سألت الإسرائيليين في المقابل عن أبرز حلفائهم فيه؟ لوقع اختيارهم أيضاً على قطر وتركيا، وهذا بالضبط الذي يسمى: «شر البلية»! على كلّ، سأصدق الإسرائيليين، فهم يتعاملون مع المسألة انطلاقاً من المصلحة السياسية وعدمها فقط، بعيداً من الاعتبارات الأخرى التي قد تخالج الفكر الفلسطيني الشعبي، لتشكل في نهاية المطاف حيثياته التي يبني عليها حكمه.

لقد مثلت وسائل التواصل الاجتماعي القشة التي قصمت ظهر المودة «من طرف واحد»، عندما أبرزت المرض المزمن الذي بدأ يتغلغل - في ما يبدو - في الذات الفلسطينية، أعني الجحود والنكران، والأمنيات الشاذة في حق من لايزالون يعتبرونهم أشقاء! هناك فلسطينيون يدفعون الآخرين دفعاً إلى بغضهم، فعلوا ذلك مع الأردنيين في أيلول الأسود، ومع اللبنانيين الذين استضافوهم بعد ذلك حين كانوا وقوداً للحرب الأهلية التي أحرقت لبنان، وفي الكويت عضّوا يد الأرض التي منحتهم كل شيء، واصطفوا مع الغازي العراقي، وفعلوا في الكويتيين ما لم يفعله صدام وجنوده، وها هي اليوم فصائلهم المسلحة في سورية تقف إلى جانب بشار الأسد، ضد الشعب السوري المكلوم! أما السعودية، فإن الأصوات التي تعالت قبل 30 عاماً بالهتاف تأييداً لصدام، تطالبه بقصف مدنها بالكيماوي، فلاتزال «تلهث» في باحات الأقصى، تنضح بالكراهية لها ولشعبها ولرموزه الوطنية.

أخيراً، لا يمكن الحكم على الفلسطينيين جميعهم من خلال نماذج «البغضاء»، وإن طغت، إذ كما يقال: «لو خليت خربت»، فالأمل لم ينقطع بعد، وحتى ذلك الحين فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس.