خالد أحمد الطراح

 حتى تكون حملة «بادر»، التي اطلقتها هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» أخيراً، محصنة قانونيا، من المهم ان تصاحبها حملة تقصٍّ وتدقيق لطبيعة عقود العمل الخاصة ببعض جهات العمل الحكومية، التي تتميز دون غيرها بعقود عمل، تتضمن شروطاً لا تتماشى مع الاهداف المرجوة من هيئة «نزاهة».
الفساد لم يعد ظاهرة عامة، وإنما آفة سرطانية تعمقت في معظم مفاصل الدولة منذ عشرات السنوات، بمباركة ورعاية متنفذين في الجهاز الحكومي وخارجه، منهم عدد كبير، ان لم يكن الغالبية العظمى، تمكنوا من النجاة من أي إدانة محتملة، سواء في النيابة العامة او القضاء، بسبب ثغرات قانونية بمنزلة ألغام في رحم الجهاز الاداري والمالي!
هناك بعض الهيئات الحكومية فرضت بنودا ضمن عقود العمل، لغل يد الموظفين من تقديم بلاغات الى النيابة العامة، بموجب قانون 1 ـــ 1993، خصوصا حين تتوافر لديهم مستندات وبيانات تحمل شبهات تطاول على المال العام.
هناك عقود عانى بمرارة منها موظفون ونقابيون على مدى سنوات، حالت دون تقديم بلاغات الى النيابة العامة عن شبهات اعتداء على المال العام، بسبب وجود شرط مسبق في عقود عملهم بضرورة الحصول على تصريح خطي من الوزير المختص!
في ضوء هذا التعسف الاداري، لم يُمنح هؤلاء المواطنون الموافقة لتقديم بلاغاتهم، بالرغم من توفير نسخ مما لديهم من مستندات، تؤكد عمليات تطاول على المال العام، ليس لوزير واحد، بل عدد من الوزراء المتعاقبين، فضلا عن مخاطبة من هم اعلى في حكومات سابقة، بمساعدة ودعم بعض نواب الامة من دون اي جدوى.
هؤلاء المواطنون لم تكن غايتهم التعمد بالإساءة الى شخص بعينه، وإنما تحركوا بناء على مستندات حملت في طياتها شبهات اعتداء على المال العام والتنفع والتربح بطرق غير مشروعة، فضلا عن اعتماد عمليات مالية تضمنت تضارباً في المصالح، بعكس نصوص قانونية ولائحية!
أما عن الحماية لحملة «بادر» لأصحاب البلاغات، فلست متفائلاً بذلك، في ظل وجود عدد هائل من قضايا التعسف الإداري والإحالة الى التقاعد والتجميد، طالما هناك سلطة ادارية استغلت بخصومة شخصية وانتقامية، بموجب ربما ثغرات قانونية او نصوص غامضة، تساعد على التعسف الاداري.
اقترح على هيئة «نزاهة» تكليف فريق قانوني مراجعة، حتى لو بصورة عشوائية، طبيعة قضايا التعسف الاداري وعقود العمل، وما لحق بالبعض من ضرر سافر، مما حدا بهم الى اللجوء الى المحكمة للحصول على ادنى حقوقهم، كاللائحة التنظيمية الداخلية!
«بادر» ينبغي ان تكون مبادرة إصلاحية شاملة، وليست مجرد حملة.