عبدالحق الصنايبي

إننا نعتبر أن ما قامت، وتقوم به، قطر في المنطقة هو جزء من مخطط مدروس يهدف إلى تقسيم المُقسم وتجزئة المجزّأ وتحويل الدول العربية إلى دويلات مجهرية، ويقدم خدمة مجانية لإيران التي تنتظر بكثير من الصبر والترقب وقوع ما من شأنه زعزعة استقرار المنطقة من أجل الركوب على الأحداث وتوجيهها..

إن الضبط المنهجي للمعطيات التاريخية غالباً ما يساعد على بناء تصور سياسي هو أقرب إلى مفهوم النظرية بمعناها التاريخي وليس التجريبي - العلمي. كما أن رصد البيئة الإستراتيجية التي نحن بصدد التأصيل لها سيمكن من بسط الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تخدم بالضرورة الهدف السياسي الأعلى للمنظومة الخليجية. وهنا يتدخل العقل الإستراتيجي لرسم تداخلات الإكراهات الجيوستراتيجية وطرح البدائل الكفيلة بالتأثير على البيئة الإقليمية لمنطقة الخليج العربي.

في هذا الصدد، يقول منظر الحرب كارل فون كلاوزفيتز: «إذا أريد للعقل أن يخرج من دون أذى من صراعه المرير مع ما ليس متوقعاً، فلا يمكن الاستغناء عن ميزتين: الأولى، ذكاء متوقد حتى في أشد الساعات حراجة.. الثانية هي الشجاعة لمتابعة ذلك الضوء الخافت حيثما اتجه». (مقتطف من كتاب عن الحرب ص 142).

من هذا المنطلق، لا يمكن فهم وتكييف المواقف القطرية العدائية تجاه معظم دول المنطقة إلا من خلال التسليم بارتماء قطر في أحضان مشروع شمولي تبحث من ورائه الدوحة الاعتراف الضمني بشرعية النظام السياسي القطري الذي قام على أساس انقلاب أسري لا تقبل به المنظمات الدولية ولا الأعراف المؤسساتية.

وإذا كنا نعلم أن النظام السياسي القطري قد عرف اختراقاً هيكليّاً من طرف التنظيم الإرهابي للإخوان «المسلمين»، هم بالأساس بنية النظام السياسي، فإن اعتبارات أخرى تبقى محددة في التقارب الإيراني القطري، على حساب التكتل الجيوستراتيجي لدول الخليج العربي.

في هذا السياق، سبق لتميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، أن صرح بأن بلاده نجحت في بناء علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأميركية وإيران في وقتٍ واحد، موضّحاً أن إيران تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله، وأنها ضامنة للاستقرار في المنطقة. وهنا إشارتان خطيرتان لابد من الوقوف عندهما:

النقطة الأولى مرتبطة بالاعتراف الصريح بعمق العلاقات الأميركية الإيرانية وتطابق الرؤى الإستراتيجية للدولتين في مختلف القضايا التي تهم المنطقة وخصوصاً ذات المرجعية الإسلامية السنية، رغم ظاهر العداء الذي تحاول أن تظهره الولايات المتحدة تجاه إيران، إلا أن التنسيق «تحت الطاولة» كان دائماً مستمراً ومعطى ثابتاً في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

المعطى الثاني والذي يمكن اعتباره الأكثر خطورة وتغيراً غريباً في الموقف القطري، يبقى مرتبطاً باعتبار إيران هي الضامن لاستقرار المنطقة.

وهنا نطرح السؤال البدهي: كيف تجاهلت، أو تناست قطر المشروع الهيمني التوسعي لإيران من خلال الخطة الخمسينية التي أعلنت عنها والتي يتم تطبيقها بحذافيرها بالمنطقة وفق أجندة زمنية وإصرار إيراني خطيرين؟

كيف يمكن ألا ترى قطر أن العراق، الذي ساهم إعلامها، عملياً، في تخريبه، أصبح ملحقة إيرانية إن لم نقل محافظة إيرانية تضاف إلى 31 محافظة إيرانية، رغم مظاهر الرموز السيادية التي تعبر عنها الإعلام والعملة الرسمية في العراق؟

كيف لقطر ألا تلاحظ أن اليمن كان على وشك أن يصبح محافظة إيرانية لولا الألطاف الإلهية وبطولة قوات الشرعية والتحالف العربي؟ وكيف أن جنوب لبنان يرزح تحت الوصاية الإيرانية؟ والمحاولات مستمرة في البحرين والكويت لخلخلة أركان الأنظمة السياسية هناك، دونما إغفال للمحاولات الفاشلة لاختراق العمق السعودي وتوسيع قاعدة المد الشيعي من أجل تهيئة الظروف الذاتية والموضوعية لزعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية؟

كيف لقطر ألا تلاحظ أن أراضٍ إماراتية مازالت ترزح تحت الاستعمار الإيراني الصفوي رغم جميع النداءات الإقليمية والدولية لإنهاء هذا الاحتلال؟

كيف لقطر ألا تلاحظ النشاط المتزايد لإيران في منطقة شمال إفريقيا خصوصاً في مصر والجزائر والآن في المغرب مع اكتشاف قرائن قوية تدل على محاولة اختراق إيران للاحتجاجات السلمية التي عرفتها إحدى المدن المغربية ومحاولة الركوب عليها معتبرة أن المغاربة يقودون ثورة للعودة إلى التشيع على اعتبار أنه التدين الأصلي للمملكة حسب زعمها ووهمها؟

إننا نعتبر أن ما قامت، وتقوم به، قطر في المنطقة هو جزء من مخطط مدروس يهدف إلى تقسيم المُقسم وتجزئة المجزّأ وتحويل الدول العربية إلى دويلات مجهرية، ويقدم خدمة مجانية لإيران التي تنتظر بكثير من الصبر والترقب وقوع ما من شأنه زعزعة استقرار المنطقة من أجل الركوب على الأحداث وتوجيهها لما يخدم مصلحتها الإستراتيجية في الخليج والذي تعتبره طهران مجالها الحيوي بامتياز.