بدر عبدالملك 

وقفن ثلاث فارسات ايرانيات بشجاعة وتحدٍ في مترو طهران العاصمة في منطقة حقاني وهن خالعات الحجاب، حاملات ورق النشيد وهو بعنوان «نشيد المساواة» وهو نشيد الحركة النسوية في ايران منذ حقبة الثمانينات كتبها الشاعر مازيار سميعي (ملحن النشيد ثمين عابدي والمغنيات شيرين اردلان وأزاده فرامزي، وهن يعشن في المنفى القسري) كن ينشدن بفرح وشجاعة ذلك النشيد بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

 وقفن حاسرات في تحدي تاريخي ملحوظ كتعبير واحتجاج ضد الحجاب الاجباري في نظام الملالي. 

جاء هذا التحدي ضمن مناخات سياسية كسرت حاجز الخوف وتحول الصوت النسائي يرعب حوزة قم ومجالس ولي الفقيه وكل مراكز التسلط في ايران، فكان يوم الاربعاء يوماً تاريخياً في مترو طهران. 

ولجمالية النص كنشيد للانشاد وهو مانيفستو نساء ايران في مترو طهران من الضروري قراءته ولرؤية الفيديو بكل روحه الغنائية وسط جمهور كان صامتاً يتجاوب مع تلك الكلمات حيث النشيد: تزدهر البراعم على الجرح الذي يحمله جسدي وذلك لواقع حكم واحد وهو انني امرأة.. امرأة. وحينما تناغمت حناجرنا وتراصت أقدامنا في مسيرتنا، وحين وضعنا أيدينا في أيدي بعض وتخلصنا من الاضطهاد، سوف نشيّد عالما من المساواة بتعاطفنا وأن نكون اخوات لبعضنا.. عالم أفضل وسعيد. لن تكون هناك ممارسة للرجم، ولا المشانق ولا تكرار للبكاء ولا للعار والهوان. سوف نشيّد عالماً من المساواة بتعاطفنا وأن نكون أخوات لبعض.. عالم أفضل وسعيد. 

بعد انتهاء ترويكا الكورال التحرري، ألقت واحدة منهن كلمة مقتضبة بمناسبة يوم المرأة العالمي حيث قالت «اليوم ومنذ مائة وعشرة أعوام هو اليوم العالمي للمرأة، إذن هناك احتفاء بأنكن اللواتي ناضلتن طيلة حياتكن ضد صنوف التمييز والعنف والإذلال والإهانات، ودفعتن من أجل ذلك ثمناً باهضاً واصبحتن بطلات حياتكن، فتعالوا لكي نصفق جميعاً لهذه المناسبة، مبروك عليكن يومكن. بعد الانتهاء صفق لهن جمهور المترو وهو يتحرك في زمن مجهول تحت الأرض، كن مكشوفات الوجه حاسرات الرأس دون أي وجل او خوف او رعشة، واختفين من تلك اللحظة، غير أنهن الآن بتنا ملاحقات مطاردات من رجال الأمن. لا أحد يعرف ما هو المصير الذي ينتظرهن والعذاب والقسوة التي ستواجهه تلك القرنفلات الثلاث في يوم مجيد من مترو طهران.

 من كتب تلك الكلمات من الشعراء المخضرمين في الثمانينات وبنصوصه وروحه يبدو من المدرسة اليسارية من خلال عباراته المنتقاة. جاء هذا النشيد في مترو طهران كجزء من التجاوب الشعبي المنتفض في سياق الاحتجاج النسوي العام ضد الحجاب القهري وله دلالة أوسع ومضمون أعمق فهو تعبير ضد التسلط ومصادرة حرية المرأة بشكل خاص وحرية الافراد والمجتمع بشكل عام تحت وباسم غطاء الدين والتقاليد المزيفة. 

علينا قراءة مشهد وحدث المترو والفارسات الثلاث ضمن روح الانتفاضة، حيث تعبيرات نشيد المترو يعكس عمقاً وبعداً واهمية اجتماعية، فهي جزء مكمل من النشيد الوطني الثوري العام لروح الشعب والمتوقدة في ربيع مترو طهران، فتيات في عمر الزهور يكسرن حاجز الخوف كدرس ثوري وهذا مؤشر هام وكنتيجة ايجابية من نتائج الانتفاضة وتدفق دمها وحماسها في الاحياء والمدن الايرانية. 

هذا التحدي النسوي الشعبي للنظام صوت من أجل الحرية، فالنشيد أشبه بمانيفستو الحرية ضد كل شيء في نظام الملالي. الحرية تخنق، تحاصر، لكنها لا تموت، وعلى الشعب الايراني مواصلة الغناء.. غناء الحرية، وعلى نشيد مترو طهران أن يكون ملهماً ودرساً تاريخياً من دروس الانتفاضة ووقوداً لروحها المتوثبة.