سمير عطا الله
توضح خريطة الرحلة الأولى إلى العالم الخارجي الرسالة التي يريد أن يحملها الأمير محمد بن سلمان عن رؤيته إلى العلاقات الثابتة للمملكة: الركن العربي التقليدي في مصر، والركن الأوروبي التقليدي في بريطانيا، والركن العالمي التقليدي في الولايات المتحدة.
في الوضع العالمي الحالي لا مجال للتضمينات والإشارات. لا وقت للغموض. المخاطر التي تحيط بالسعودية معلنة ومكشوفة وملحة، ولا بد أن تكون تحالفاتها الأساسية معلنة هي أيضاً. هناك صراع إقليمي لم تبدأه الرياض، لكنها أيضاً لن تتراجع أمامه.
تجاوزت مصر وبريطانيا البرتوكولات العادية في استقبال محمد بن سلمان لكي تؤكد على نوعية العلاقة التي تأملها وتريدها. وفي واشنطن يلتقي الأمير إدارة جديدة خرجت عن كل المسافات الماضية في العلاقة الخاصة مع الرياض. وفيما يغرق الشرق الوسط في اضطراب دولي الذيول والمضاعفات والانعكاسات، يحرص هذا المحور الكبير على اعتبار المواجهة تحدياً وجودياً لا تهامل فيه. أقول محور، لأنه مجموعة دولية بعيدة في الجغرافيا، متلاصقة في الأمن والمصالح. محور لا جهة، فرضت قيامة المطامح الإقليمية والدولية التي حركت الأزمات والاعتداءات في كل مكان، من البحرين إلى سوريا.
يعيد دونالد ترمب تشكيل إدارته بعد عام من انتخابه، فيما يعبر العالم عاصفة سياسية في كل مكان. وربما لم يعتد الآخرون على هذا الأسلوب العاصف أيضاً في السياسة الخارجية، حتى بين أقرب المقربين إليه. لكن هل يترك الفريق الآخر مجالاً لخيار آخر؟ إن الشرق العربي مشتعل من باب المندب إلى سوريا. وكل ما يراه العرب هو المزيد من المؤتمرات البائسة ومن الحروب البائسة. وحتى مجلس الأمن الذي كان يكفي أن يلوح «بالبند السابع» لفرض الهدنات أصبح يلوح به لمجرد رفع العتب.
المحطة الثالثة للأمير محمد بن سلمان هي، بطبيعة الأشياء، الأكثر أهمية. ليس فقط للسعودية، بل للمنطقة برمّتها: هل المستقبل لعالم عربي مستقل ومستقر وبعيد عن بحر الدماء، أم أنه سوف يبقى في مهب الريح والتدخلات والأحلام الإمبراطورية؟
تنظر السعودية باهتمام شديد إلى مكانة حلفائها التقليديين كما ينظرون تماماً إلى مكانتها. لذلك، خرجت مصر وبريطانيا عن التقاليد المعهودة في استقبال ولي العهد، وحولتاه إلى مهرجان سياسي غير مسبوق. وباصات لندن ذات الدورين، التي أصابها الخوف في الآونة الأخيرة، رفعت صور محمد بن سلمان علامة المودة والوفاء.
التعليقات