يوسف الكويليت

العبودية والرق عُرّفا بـ«امتلاك إنسان لآخر» بينما العنصرية هي اعتقاد بتفوق عنصر على آخر عرقياً ووراثياً، أو دينياً، أو ثقافياً، نتيجة مؤثرات جغرافية، أو عرقية، وقد بدأت حالات التمايز، والاستعباد، مع تطور الإنسان من الانتقال من الصيد إلى الزراعة التي احتاجت لجهد بشري يعمل بالحقول، لدرجة أن فلاسفة اليونان والإغريق برروا ذلك بأنه أمر طبيعي جعل السادة يتفوقون على العبيد بسبب العوامل الوراثية..

بمجيء الأديان حُرّم الفصل العنصري، لأنه ضد نواميس الحياة، ولكنها عجزت عن إلغائه حين نشأت الطبقية الدينية بتراكيبها الطائفية، والمذهبية، وأدخلت عبودية جديدة مثل أحكام الكنيسة، أو ولاية الفقيه، أو الحاكمية المطلقة، التي ميزت أولئك على الآخرين بلباسهم واحتكارهم الحقيقة على منطق حرية العقل والمعتقد، حتى إنها شرعت السيطرة على المال، والإقطاعيات بدعوى تقسيمها على الفقراء والمحتاجين، ووضعت ما يشبه الدساتير التي أدت إلى بيع صكوك الغفران، وقد عانت البشرية من هذه السلوكيات منذ أزمنة طويلة، لدرجة أن حروب «سبارتاكوس» لتحرير العبيد الرومان، شكلت معياراً لتاريخ هذه العبودية والتمرد عليها، تماماً كما هي ثورة «الزنج» في العصر العباسي، التي كادت تسقط الدولة..

النزاعات قائمة، حتى الآن، بين الطبقات الاجتماعية والدينية، لأن المحرضات موجودة، حتى في ظل القوانين الرادعة، على أن علم «التنبؤ» الوراثي والذي كشف استعداد الإنسان للإصابة بأمراض الضغط والسكر، والسرطان وغيرها، ثم الطفرة العلمية الكبرى في تطور علم الجينات، والحمض النووي أو «دي. إن.أيه» عرى خرافة الدماء النقية لمدعي التفوق العنصري أو القبلي، أو من أوصلوا نسبهم للأنبياء وأتباعهم لخلق تميز خاص يرفعهم عن غيرهم باحتكار الوظائف الدينية الكبرى، وجعلها متسلسلة بهم ونسلهم، ولعل فك الشفرات الجينية جعلت الخبراء يقومون بتجارب على متبرعين كانت المفاجأة أن مواطناً ألمانياً عادت جذوره لإفريقيا، وهندياً للأعراق «القوقازية»، وقد حدث تنازع بين شخصيات علوية، وبعض الأدارسة في المغرب، وعند اخضاع بعضهم لنفس التحليل عادت أنسابهم خارج البيت الهاشمي أو آل البيت، وهذا قد يشمل بقية آخرين من أصحاب العمائم السوداء والبيضاء ممن يدعون أنهم من الأشراف أو غيرهم..

هذا التطور سيحدث ضجة عالمية، وخاصة في الشعوب التي لا تزال تعتمد نظرية التمايز العرقي، وما سيكون أكثر إثارة، حين تدخل البصمة الوراثية إلى البطاقة الشخصية لكل إنسان لتحديد الاحتياجات الطبية أو الأمنية وإلى أي جذر ينتسب، وهي مسألة لم تعد اختيارية، إذا ما جاء التعميم عليها عالمياً تدخل ضمن معلومات الإنسان عابر الحدود، أي تكون ضمن معلومات جواز السفر، أو ما سيحل بديلاً عنه..

ومثلما أن التعددية بين الشعوب إثراء علمي وثقافي وتطور بين الأجناس، فإنه لم يعد أمام العولمة، وسلطان البحوث العلمية أي عوائق تمنعها أن تشكل بعدها وتطبيقها، لينتهي فصل تاريخي للبشرية بزوال «الحتمية البيولوجية» ومشيعيها، ويبدأ مشوار آخر لإنسان بلا تمييز أو فصل عنصري.