سليم نصار

 منذ اغتيال يوليوس قيصر في منتصف آذار (مارس) سنة 44 ق.م. ارتبط اسم هذا الشهر بالكوارث والحروب وكل ما ينبئ باحتمال وقوع أحداث سلبية.

من هنا رأى المراقبون في التوقيت الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب لإجراء تعيينات مفاجئة في إدارته مؤشراً لافتعال حرب في منطقة الشرق الأوسط. وقد أجمعت التعليقات التي قوّمت مواقف «الصقرَيْن» على أن العنف هو الصفة الوحيدة التي يعرفها جون بولتون ومايك بومبيو.

صحيفة «واشنطن بوست» استغلت هذا التعيين لإعادة نشر حديث أجرته مع جون بولتون قبل مدة قصيرة، توقع فيه موت الاتفاق النووي مع إيران، كما أوصى في الحديث ذاته بضرورة تغيير النظام الإيراني أو إسقاطه.

وبدلاً من أداء دور ديبلوماسي متحفظ بعد تعيينه مستشاراً للأمن القومي، كرر معزوفة التشدد والتصلب، معلناً أن سياسة أميركا يجب أن تركز على إنهاء إيران- الثورة قبل حلول الذكرى الأربعين. أي قبل سنة 2019.

وحول هذا التعيين، حذرت صحيفة «أوبزرفر» البريطانية في افتتاحيتها من خطر استبدال هـ. ر. ماكماستر بالصقر المتحمس الداعي للحروب الوقائية جون بولتون. علماً أنه تجنب القتال في فيتنام، ولكنه ظل يحث شبان أميركا على الحرب. ولقد كرر هذا الموقف من فوق منبر الأمم المتحدة، الأمر الذي أثار انتقاد خصومه ممن وصفوه بأنه شخص لا يتغير في عالم متغير.

والثابت أن تخلي ترامب عن وزير خارجيته ريكس تيلرسون، واستبداله بمايك بومبيو، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، هو أن الرئيس الأميركي عازم على نسف الاتفاق النووي مع إيران. خصوصاً أن الوزير الجديد يُعتبر من صقور الإدارة، وأنه في مستوى بولتون من حيث الاندفاع لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني.

في وقت سابق، كان بولتون قد صاغ مع صديقه فرد فليتز ورقة عمل حول كيفية الخروج من التزامات الاتفاق النووي الإيراني. وجاء في حيثيات تنسيق القرار مع الدول الحليفة ضرورة استغلال الوقت المناسب لاعتبارات عدة، أهمها:

أولاً- إن الزعيم الروحي علي خامنئي يبحث منذ مدة عن شخصية لائقة ونافذة يمكن أن تملأ الفراغ الذي سيحدث أثناء تغيّبه بسبب المرض. ويبدو أنه وجد صعوبة في انتقاء هذه الشخصية بسبب الخلاف المستعر بين الرئيس حسن روحاني من جهة وبين قادة الحرس الثوري من جهة ثانية. ذلك أن قادة الحرس يدفعون باتجاه استئناف حرب اليمن ومعارك المحافظة على نظام بشار الأسد بأي ثمن.

في حين يرى روحاني أن التظاهرات الضخمة التي شهدتها شوارع المدن الإيرانية مطلع هذه السنة، تمثل أفضل مؤشر على احتمال انفجار ثورة ضد الثورة.

ثانياً- تعتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن يوم 12 أيار (مايو) سيكون يوماً مهماً، كونه يشكل توقيت المراجعة المطلوبة لتنفيذ الاتفاق الذي وقِّعه في فيينا ممثلون لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما وأربعة آخرين من الاتحاد الأوروبي. وقد نصحت هذه الأجهزة بضرورة الضغط على إيران لأنها محشورة في عدة زوايا، ولأنها تمر في أسوأ ظروفها السياسية والاقتصادية منذ توقيع اتفاق فيينا سنة 2015.

وفي الوقت ذاته، حذرت تلك الأجهزة من غموض القدرة التنفيذية لدى إدارة ترامب، وما إذا كانت تستطيع تحقيق ذلك من دون جرّ المنطقة إلى مواجهة عسكرية.

الحكومة الإيرانية أعلنت في أكثر من مناسبة أن إلغاء الاتفاق معها يعفيها تلقائياً من قيود الحظر على إنتاج قنبلة نووية. وهي بهذا الإشعار تريد إظهار المخاطر الذي يحمله قرار الإلغاء المتهور.

وفجأة، وبدون مقدمات، باشرت الصحف الإسرائيلية في كشف سرّ خطير يتعلق بعملية هجوم جوي نُفِّذ في السادس من أيلول (سبتمبر) 2007، ضد هدف سوري قرب دير الزور. وكانت إسرائيل قد نجحت في التعتيم على الخبر حتى سنة 2012، أي عندما نشرت مجلة «نيويوركر» تحقيقاً مفصلاً حول عملية قصف المفاعل النووي في سورية. وذكرت أن رئيس الوزراء في حينه أيهود أولمرت ورئيس جهاز الأمن، مئير داغان، هما اللذان أمرا بتنفيذ العملية.

كذلك أشارت صحيفة «هآرتس» الأسبوع الماضي إلى مقالة سبق أن كتبها في جريدة «وول ستريت جورنال» السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، يقول فيها إنه تم اكتشاف نشاط نووي غريب في سورية.

يومها تدخلت الرقابة العسكرية الإسرائيلية لمنع نشر معلومات إضافية تتعلق بأحداث تلك العملية.

والثابت في هذا الموضع أن إسرائيل حريصة على توجيه رسالة سياسية إلى إيران، الهدف منها التذكير بضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981... ونسف المفاعل السوري الذي بنته كوريا الشمالية على ضفاف الفرات في منطقة دير الزور سنة 2007.

وفي التفاصيل أن وكالة الاستخبارات الأميركية رصدت من الجو موقعاً مشبوهاً قرب دير الزور، الأمر الذي دفعها إلى تحويل الصور إلى إسرائيل. وشرع عملاء «الموساد» في مراقبة تحركات رئيس منظمة الطاقة النووية السورية إبراهيم عثمان. ولدى زيارته فيينا، شغلته حسناء في الفندق الذي يقيم فيه طوال فترة العشاء في المطعم. وكانت تلك الفترة كافية لاقتحام رجال «الموساد» غرفة عثمان وصوروا كل المواد التي كانت بحوزته. وتبيّن لهم بعد الفحص والتدقيق أن سورية في طور إعداد مشروع مفاعل نووي. ولم يكن صعباً بعد ذلك اكتشاف مكان المصنع، خصوصاً بعد الحصول على معلومات دقيقة مخزونة في جهاز رقمي.

وأظهرت الصور إبراهيم عثمان يرافق علماء كوريين داخل الموقع الذي ينتج البلوتونيوم. ولما طلب أولمرت من جورج بوش الابن إرسال طائرات لتدمير المصنع، اعتذر متعللاً بوجود قواته في العراق. لذلك تولى سلاح الجو الإسرائيلي تنفيذ هذه المهمة.

ردود فعل النظام الإيراني على التذكير بنسف المفاعل النووي السوري زادت من تهجم طهران على الولايات المتحدة وإسرائيل، مع تحذير بالاقتصاص منهما في حال نفذا اعتداءاتهما. كذلك تعهدت بمضاعفة كميات الصواريخ المرسلة إلى حوثيي اليمن، ودعم بشار الأسد بالرجال والعتاد من أجل ربح المعركة الفاصلة في سورية.

على هامش الأزمة المفاجئة بين إيران وسورية وروسيا من جهة... ودول الكتل الغربية من جهة ثانية، ظهرت قضية تسميم الجاسوس الروسي الأسبق في لندن كجزء من سيناريو مفتعل لتوريط موسكو بأزمة جانبية مرشحة للتفاقم.

ومرد هذا التفاقم، كما تدّعي موسكو، يرجع إلى معارضة البريطانيين للأداء السيئ الذي تقوم به تيريزا ماي. لذلك استغلت غموض هذه الحادثة لتحويل أنظار المواطنين عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانونها.

ولكن رئيسة الحكومة البريطانية أصرت على اتهام موسكو بتسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته. واستندت أجهزتها الأمنية إلى عمليات سابقة قضت على بعض معارضي فلاديمير بوتين بواسطة السم. وكان لا بد من استخدام عملاء زرعتهم الاستخبارات الروسية في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وكل مكان يلجأ إليه المعارضون المطاردون.

وعلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقول: «إن السلطات البريطانية تقوم بسعي محموم لإجبار حلفائها على اتخاذ إجراءات تهدف إلى المواجهة».

ولما سُئل عن الجهة التي لها مصلحة من وراء اغتيال العميل، أجاب لافروف بأن بلاده لا تقيم وزناً لنشاط هذا اللاجئ، وأن حكومة بلاده ما زالت تنتظر الحصول على وقائع دامغة على صحة الادعاء. وبما أن تيريزا ماي فشلت في تأمينها، فإن موسكو تتهم لندن بالاستفزاز والابتزاز ودفع الأزمة مع روسيا إلى أبعد مدى.

وترى مصادر فرنسية أن إقدام 25 دولة على طرد ديبلوماسيين روس من أراضيها ليس موقفاً تضامنياً فقط، وإنما هو موقف انتقامي مبرمج لإيصال الأزمة إلى المدى الذي يردع بوتين من مواصلة اقتحاماته. ومعنى هذا أن ردّ الدول الغربية مرتبط بضم شبه جزيرة القرم، وبدعم ترسانة إيران وتأييد سياستها في سورية. إضافة إلى إلغاء نفوذ الولايات المتحدة في سورية خصوصاً بعد دفعها إلى إنهاء برنامج دعم الثوار السوريين الذين يقدّر عددهم بأكثر من عشرين ألف مقاتل. وهكذا ترى عدة مصادر أن الالتفاف الجماعي حول تيريزا ماي لا يخص الأمن البريطاني بقدر ما يخص أمن الدول الغربية التي ترى في الزحف الروسي صورة حديثة عن زحف الاتحاد السوفياتي السابق!