عبدالله جمعة الحاج

 في السنوات الأخيرة، ومنذ ولوج العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين زادت وتيرة التوجه التركي نحو دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي ودول العالم الإسلامي، بالإضافة إلى عدد من دول العالم النامي، في نفس الوقت الذي تراجعت فيه نغمة رغبة الأتراك في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى خبر الدعاية الإعلامية والشعارات التي كانت تنادي بأن تركيا هي دولة أوروبية وليست إحدى الدول المنتمية إلى منظومة دول المنطقة.

فلماذا حدث هذا التراجع عن أوروبية تركيا، وفي رغبتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ لعل ذلك نابع من يأس الأتراك في الانضمام إلى الأوروبيين الذين لم يتوقفوا قط عن رفض مطالب تركيا في الانضمام إليهم؟ أم هل هو آت من رغبة تركيا ذاتها في العودة إلى وضعها القديم كجزء من دول المنطقة؟ أم هل هي مشيئة الإسلاميين الأتراك الذين يصفون أنفسهم بأنهم «العثمانيون الجدد» في العودة إلى المنطقة للهيمنة عليها، ولكن بثوب جديد؟

هذه الأسئلة المعيارية ستبقى حائرة دون إجابات مباشرة لزمن طويل، لكن ما نعتقده هو أن تركيا تراجعت عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من منطلقات الربح والخسارة الاقتصادية التي تخص تركيا ذاتها بعد أن تمكن الاقتصاد التركي من استعادة عافيته من التدهور الذي كان يلم به لأمد طويل منذ ستينيات القرن العشرين، فبالنسبة لتركيا عضوية الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تجبر صغار المزارعين الأتراك وصغار رجال الأعمال على الإفلاس، وستزيد من هجرة سكان الأرياف إلى المدن، وهي أمور ستضاعف بدورها من عدد العاطلين عن العمل في تلك المدن بعد أن تكون الأرياف قد فقدت سكانها.

إن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يزيد معدلات التضخم عبر السيطرة الاحتكارية الأجنبية على أسعار السلع الأساسية مع الضغط الشديد على الأجور وتخفيض المداخيل الحقيقية للعمال، وبالتالي تراجع مستويات معيشتهم. ويعني ذلك أيضاً سيطرة الدولة على العمال لكي تشجع الاستثمار الأجنبي، وسيزيد ميزان المدفوعات التجارية سوءاً بسبب زيادة الاستيراد وشح العملات الأجنبية لتسديد أثمان السلع المستوردة، آخذاً في الاعتبار تواجد انخفاض في المكاسب من الصرف الأجنبي بسبب تراجع السلع التركية التي يتم تصديرها. من شأن ذلك أن يزيد من الديون الخارجية وخدمة تلك الديون، وذلك لتزايد الحاجة إلى مزيد من الديون التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لتجاوز تلك المشاكل. وعلى تركيا أيضاً أن تستمر في المزيد من الصرف المرتفع على التسلح، وذلك لأن دورها ومسؤولياتها في حلف شمال الأطلسي ستتسع في المنطقة وفي العالم، وبهذه الطريقة سيزداد اعتمادها على الغرب، وربطها بالاقتصاد الغربي ودورانها في فلكه. أما على الصعيد الخارجي، فقد توقف الأتراك عن عقد المزيد من التفاوض مع الأوروبيين بخصوص انضمامهم إلى الاتحاد، حيث كانوا يذهبون إلى التفاوض كطريقة للخروج من أوضاعهم الاقتصادية المتردية ووضعهم المتأخر والمليء بالمشاكل ضمن الاقتصاد العالمي.

وهذا التوقف جاء بعد أن تيقن الأتراك بأن انضمام بلادهم إلى الاتحاد بعيد عن أن يكون وشيكاً أو حتى ممكناً، بالإضافة إلى تيقنهم بأن نتائج ذلك الانضمام على اقتصادهم ربما يكون سلبياً. ويعود سبب ذلك إلى أن تركيا ستكون خاسرة في مواجهة رأس المال الأوروبي الذي لديه عناصر تفوق لا يستطيع اقتصاد تركيا مواجهتها، بالإضافة إلى عدم القدرة على منافسة المؤسسات والاحتكارات العالمية متعددة الجنسيات العابرة للحدود.

إن ذلك يعني فرصة أمام الاستثمارات الكبرى لدخول تركيا دون قيود وبمداخل مباشرة إلى العمالة الرخيصة التي سترفع أجورها وتخسرها الأعمال التركية ورفع القيود المفروضة على الاستيراد غير المنضبط، وإزالة للقيود الجمركية التركية، ما يعني المزيد من الأضرار التي سيتحملها الاقتصاد المحلي، خاصة الصناعة غير القادرة على منافسة الجودة الأوروبية. وضمن هذا المحتوى، فإن المشاكل السياسية والاقتصادية التركية ستصبح صعبة ومضادة للمصالح الوطنية.