جبريل العبيدي

 الفوضى العارمة في ليبيا أثرت على كل شيء، ودمرت كل شيء، الإعلام الليبي كثيره منفلت، وغير ناضج، ويحرض على الكراهية، ويعالج الأمور بشكل عشوائي وغير مهني. إنه تماماً مثل الفوضى التي دبّت في هذا البلد المنكوب.

يتعاطى هذا الإعلام مع الخبر وغير الخبر بشكل خاطئ، بتتبع الظن واستقصائه، وهو مكمن الداء في الفشل إعلامياً، لأنه يجعل من الحقيقة مغيّبة، وهذا نتاج قصور عند البعض عن الإيفاء بمفهوم الإعلام بشكل مهني صحيح ومستقل عن مصدر التمويل، هناك إعلام إقصائي، ينهج منهج السباب والملاسنة الشخصية دون معرفة بمبادئ ميثاق الشرف المهني، وحدود ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر، وإعلام ممول له أجنداته الخاصة، وإعلام آخر تهيمن وتسيطر عليه آيديولوجية معينة، ترفض غيره وتحصره في جماعتها ويصادر أي فكر غيره. هذا يحدث في غياب الدولة.
هناك كثير من الإعلام الفضائي خاصة، يفتقد المصداقية والموضوعية والشفافية والمهنية بسبب أنه يتعاطى مع الخبر بشكل خاطئ، وينطبق عليه قول ابن النفيس: «وأما الأخبار التي بأيدينا الآن فإنما نتبع فيها غالب الظن لا العلم المحقق»، وهذا يجعل من الحقيقة مغيبة حتى في وجود شهود العيان، هذا المفهوم الخاطئ عن الإعلام، جعل المواطن والمتتبع العادي، في حيرة وذهول من هذا المشهد الملوث بإعلام متشابك، يقدم له الخبر من دون أدنى معيار للمهنية تضمن عناصره الستة (متى حدث الخبر... وأين... وماذا وكيف ومن ولماذا) دون إقحام الرأي ضمن تحليل الخبر، وإلا أفقدته الموضوعية والشفافية، التي تكاد تكون منعدمة في صياغة أخبار الإعلام الحالي، المتخبط والمرتبك دون وجود المعيار الحقيقي، لأي إعلام ناجح يسعى لأن يقدم الخبر بشكله الصحيح، دون أن تكون لأجندة خاصة يد في إعادة صياغته.
ليبيا في أزمة كبرى وهذا الإعلام المتهالك يزيد من أزمتها، ويفتن ما بين أهلها، ويشعل نيران الحقد والكراهية التي ستأكله أولا.
الإعلام عامة كان دائماً له دور في تحريك الناس، وتكوين أفكارهم وتصوراتهم لصورة المشهد خاصة لحظة الحدث، فالخطر يكمن في وجود إعلام قوي يروج لفكر خاطئ، مقابل إعلام خائب متأخر عنه في الأداء وسرعة التفاعل وتناول الخبر والتحليل، ولعل ما ذكره المفكر الصيني لاو في كتاب TAO، «إن الحكيم في إدارته يفرغ العقول ويملأ البطون، حتى إذا تحرر الناس من المعرفة لم يبق للمفكرين دور يلعبونه»، يفسر فوضى الإعلام بين راقص وآخر شاتم.
الإعلام الفاسد يبدأ بالخبر الفاسد، وبقاؤه رهين وحبيس مصادر التمويل المشروط، ولكن ما يميز الإعلام الناجح، هو امتلاك الحرية والمصداقية في التعبير، وتوفر إرادة المخاطبة والحيادية التامة، والابتعاد عن إقصاء الرأي الآخر، أو التعتيم عليه، ففي ظل وجود فضاء مفتوح متعدد المصادر، للحصول على الخبر ومنافسة بين وكالات الأنباء في الخبر العاجل. مما يميز الإعلام الناجح في مخاطبة الآخر أنه لا يسعى إلى إقصاء محاوره أو تضليل فكرته، بل يجعلنا نشعر برغبته فعلا في الاستماع قبل الإسماع، فحينها يكون للإعلام وللحوار وللمخاطبة نفع.
ليبيا اليوم في حاجة لأناس وطنيين يدركون مدى المأساة التي تمر بها، يقدمون الحقيقة كاملة غير منقوصة ولا يستخدمون خطاب الكراهية، خدمة لاستقرار المجتمع وتحقيق السلم المجتمعي، لشعب له تاريخ طويل مع الكفاح والنضال.