فهد سليمان الشقيران

 أطلّ الأمير محمد بن سلمان من أميركا على العالم. منصّته هذه المرّة الدولة السحر، البلدة السينمائية، المعجزة، أرض الأحلام، إنها ذروة تناهي كل شيء، والنموذج الخارق، وفيها وعبرها ومنها تجلت أعلى سمات الحضارة الإنسانية عبر التاريخ. حواراتٌ ونقاشات، ولقاءات موسعة مع صناع القرار وأصحاب الشركات العملاقة، لهذا كانت الزيارة الحدَث هي محطّ الأحداث، وهي موضع الحديث على كل المستويات.

أول من أمس، أجرى الصحافي الأميركي المعروف جيفري غولدبيرغ حواراً مهماً مع ولي العهد السعودي لصالح «أتلانتيك»، خاطب الأمير من خلاله المجتمع السعودي داخلياً، والدول العظمى والعالم خارجياً. والحوار بمضمونه الثري والموسع يمكن اعتباره خريطة طريق شاملة للمجتمع السعودي وللدولة، فهو تضمن الأسس التي سيبنى عليها الوضع داخلياً، وطبيعة علاقات المملكة خارجياً، وكان مبنى الحوار قائماً على الواقعية السياسية، وتشجيع الحرية الاجتماعية، وتجاوز الصيغ الكلاسيكية التقليدية.
على مستوى الداخل، فإن الأمير أوضح أن المرأة ستكون مساويةً للرجل، معلناً انتصاره لها انطلاقاً من أحقّيتها إنسانياً لكل ما تناله، ولكونها الشريك المجتمعي على مستويات العلم والعمل. والتطرف لا مكان له بالمجتمع، وزمن تغلغل الإخوان المسلمين قد ولى، فهم من ربّى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبا بكر البغدادي، ومنهم تشرّب الخميني وخامنئي ونصر الله ومغنية. وأساطير الإمبراطوريات الإسلامية، وأحلام الخلافة، ستتم مواجهتها فكرياً وعسكرياً. والإسلام تم اختطافه فعلياً، وما نشهده اليوم من صعود اليمين المتشدد في أوروبا، وتفشي حالات الاعتداء على من يظهر بسماتٍ دينية تعجّ بها الأخبار.
وبالنسبة للأمير محمد، فإنه سيعمل على إعادة صورة الإسلام بوصفه دين السلام.. نعم دين السلام لا دين السيف. غير أن «مثلث الشر»، متمثلاً بالإخوان المسلمين وإيران والجماعات الإرهابية، يريد تأسيس دولةٍ تحكم بالحديد والنار، على النحو الذي رأيناه بنموذج «داعش» أو «القاعدة» أو «حزب الله»، كل تلك التنظيمات تريد أن تدمر المنطقة، وتشوه الإسلام، وتغزو العالم.
كما أن دول الاعتدال التي أشار إليها الأمير، والتي تضم «المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين وعمان والكويت والإمارات العربية المتحدة واليمن»، بحسب الأمير، «تدافع عن فكرة أن الدول المستقلة يجب أن تركز على مصالحها، وبناء علاقات جيدة على أساس مبادئ الأمم المتحدة، ومثلث الشر لا يريد القيام بذلك».
أما على مستوى العلاقات الدولية، حتى مع إسرائيل، فقد بيّن الأمير أن مردّ ذلك إلى عملية السلام، وهو الطرح ذاته الذي تقدمت به السعودية من خلال مبادرة الملك عبد الله، التي وافقت عليها الدول العربية في بيروت عام 2002. وعليه، فإن العلاقات مع إسرائيل مرهونة بتحقق السلام. وفي حال تم ذلك، يمكن بناء مصالح مع جميع دول العالم المعترف بها دولياً وأممياً، بما فيها إسرائيل؛ وهذا أمر بديهي ويأتي ضمن سياق المواثيق الدولية، وقوانين الأمم المتحدة. والجلبة والضجيج من قبل بعض المناضلين لا قيمة لهما، فهم يعلمون أن أكثر من خذل الفلسطينيين هم المناضلون أنفسهم، والمنتمون إلى محاور الممانعة والمقاومة، بينما السعودية أكبر داعم لقضية الشعب الفلسطيني على مستوى العالم، وعلى مر تاريخ القضية حتى الآن.
تحدث الأمير في نقاط كثيرة يمكن تلخيص محاورها في جوانب الانفتاح الديني، والتحاور مع الآخر، ومساواة المرأة بالرجل، وسحق التطرف والجماعات الإرهابية وتدميرها واجتثاثها واستئصال نظرياتها وآيديولوجيتها، وتشجيع الإسلام المستنير المعتدل، ونشر السلام بين الدول، والتأسيس لأسلوب التفاوض والنقاش بغية الوصول إلى عملية سلام، وتعزيز عمل محور الاعتدال.
لقد مرّت المجتمعات العربية والإسلامية، بما فيها المجتمع السعودي، بحالة استلاب آيديولوجي، كانت سمته هيمنة واحتلال الفكر الإخواني ومتفرّعاته الصحوية، بتسمياتها المختلفة، وهذا أثّر كثيراً على حركة الحياة كلها، تنموياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً؛ لقد كانت مرحلة من مراحل الخراب، كانت مثل الخسف أو الزلزال. وعلى أثر ذلك، عزف المجتمع عن الحياة، وأسدل الستار على مسرح الفرح، وسادت الظلمة، وانتشر العنف والتطرف والسخط والإرهاب.
هذا هو الأمير محمد بن سلمان بحواره يرسم الطريق لإخراج المجتمع من الأنفاق إلى الآفاق، وهذا يذكّرنا بقول جده الكبير الملك المؤسس عبد العزيز: «كان هدفنا قبل أن نوحِّد الأرض، أن نوحد النفوس، وأن نوحد الأفكار، ولن تنجح هذه الأمة على امتداد رقعتها الجغرافية ما بقيت ممزقة».