محمد خليفة

مع استمرار التقدم العلمي؛ تبرز أمام الإنسان تحديات هائلة؛ جرّاء استخدام العلم في وسائل وطرق غير نظيفة، وبما يسيء إلى الحياة بصورة شاملة، ولعل أكثر ما يثير القلق هو محاولة بعض الدول أو العلماء الجشعين، التلاعب بجينات البشر، وإحداث طفرات وراثية قد تؤدي إلى إنتاج تشوهات وأمراض جديدة قاتلة. 


وفي هذا الخصوص، حذر علماء أمريكيون في الوراثة الجينية والطب الحيوي، خلال مؤتمر صحفي في «الجمعية الأمريكية للعلوم المتقدمة» في واشنطن العام الماضي، من «العلماء المارقين»، الذين يعملون خارج حدود القانون؛ لاستغلال التكنولوجيا في تعديل الجينات والشريط الوراثي، ما يشكل تهديداً خطراً وكارثة إذا ما استخدمت لأهداف إجرامية. وأوضح هؤلاء العلماء، أن: «التطورات الحديثة في مجال علم الوراثة تسمح للعلماء بتعديل الحمض النووي بطريقة أسرع من قبل وبدقة، مؤكدين أن تعديل الجينات قد يساهم في نشر الإرهاب البيولوجي، أو في حالات أسوأ، قد يسهم في أن يجعل البشر عرضة للإصابة بأمراض أكثر وتكون العواقب أخطر». 
والواقع أن تعديل الجينات يعد واحداً من أخطر أسلحة الدمار الشامل، التي تهدد البشرية بالفناء. والمشكلة الكبيرة أنه لا توجد ضوابط عالمية حتى الآن تضبط عمليات تعديل الجينات، كما أن بعض الدول تقوم بتجارب مستمرة؛ من أجل إنتاج كائنات حية دقيقة أو كبيرة؛ لاستخدامها كسلاح بيولوجي قاتل.
إن استمرار الصراعات بين الدول، خاصة القوى العظمى، هو الذي يسمح باستمرار التفكير بإنتاج أسلحة فتاكة، ولا سيما تلك التي تحقق الردع المطلوب، ولا تتطلب خوض معارك شرسة وخسارة الكثير من الجنود والعتاد الحربي، وعلى رأس تلك الأسلحة، القنابل الذرية والقنابل البيولوجية. وكان العلماء اليابانيون أول من فعل ذلك، في الحرب العالمية الثانية، فقد كرّس هؤلاء جهودهم لاختراع قنابل بيولوجية، وتم البحث في مسببات أمراض عدة منها: التيفوئيد، التيفوس، التسمم الناتج عن اللحوم الفاسدة، الطاعون، الكوليرا، الحمى، الجدري، وتم تفجير آلاف القنابل البيولوجية، وقتل الكثير من الحيوانات الأليفة، في تجارب التعرف إلى مدى تأثير هذه القنابل. وربما لم تتمكن اليابان من استخدام هذه القنابل على نطاق واسع للفتك بجيوش الحلفاء؛ بسبب ضعف قدرتها العسكرية أمامهم، وانتهت تلك الحرب بخسارتها واستسلامها بشكل مذل. وخلال الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حاولت كل دولة منهما الاستفادة من العلم استفادة قصوى؛ بإنتاج مختلف أنواع الأسلحة؛ ومنها: الأسلحة البيولوجية، وهكذا تسارعت الخطى لابتكار أكثر الوسائل القاتلة، ومع استمرار إنتاج الأسلحة البيولوجية في ظل أجواء الحرب الباردة المشحونة بالأحقاد، تداعت الأطراف الدولية عام 1972 إلى الاتفاق على معاهدة دولية تحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير تلك الأسلحة. وقد تم اعتماد الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي كدول ضامنة لها ومشرفة على تنفيذها. الواقع أن العالم مملوء اليوم بأصناف السلاح البيولوجي؛ لكن يبقى التلاعب بالجينات الوراثية هو الشيء الأكثر خطراً على البشرية. ما حدا باللجنة البيولوجية الدولية في منظمة اليونيسكو، في عام 1996، إلى أن تصدر وثيقة حول الشيفرة الوراثية البشرية وحقوق الإنسان، وتضمنت هذه الوثيقة 23 مادة، قسمت إلى سبعة أقسام تناولت اعتبار الجين البشري العنصر الأساسي للإرث الإنساني، ويدخل في كل ظروف حياة الإنسان؛ لذلك يجب تحديد حقوق الإنسان، التي يجب عدم تجاوزها في هذا المجال، كعدم التمييز بين البشر على أساس صفات جينية، ووجوب تحديد الاستخدام الجيني وأبحاثه على مجالات القضاء على المعاناة، وتطوير الصحة، وتحسين ظروف المعيشة للفرد.
إن مصداقية الدول في تطبيق المواثيق والعهود الدولية هو الذي سيضمن استمرار البشر في الوجود، أما الأسلحة السرية، التي تعكف الدول الكبرى على تطويرها؛ ومنها: أسلحة الجينات، فهذا الأمر سيعجل بفناء البشرية.