توفيق السيف 

أعترف أني فوجئت بمعظم المبادرات التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. كنت أقول أحياناً إن التابوهات الكبرى، مثل المشروعات الوطنية الكبرى، تحتاج إلى سياسي يؤمن بعمق بأهمية دور القائد ويملك صفات القائد وشجاعة القائد، ويتصرف فعلياً على هذا النحو. لكني ظننت دائماً أن تلك التابوهات المزمنة صلبة وعسيرة، ولذا يستحيل علاجها في المدى القريب.
يظهر الآن أن في بلادنا من الخير فوق ما ظننت، وفيها من الرجال الشجعان أكثر مما قدرت. يذكرني هذا بصديقي المخضرم محمد سعيد طيب الذي قال، قبل عقد من الزمن تقريباً، إنه - رغم كل إحباطاته - يرى بصيص أمل، وإن بدا بعيداً أو مستبعداً. أستطيع القول الآن إن ذلك الأمل لم يعد بصيصاً في نهاية الطريق، فهو حي أمامنا في صورة عمل واسع النطاق، متعدد الأبعاد، يعيد صياغة مستقبل البلد وأجياله الآتية، بصورة تجاوز ما توقعناه في غابر السنين.


الأحاديث التي أدلى بها ولي العهد للصحافة في الأسابيع الماضية، تقدم دليلاً ساطعاً على أن تلك التابوهات لم تعد مصونة، وأن المجتمع السعودي لم يعد في محطة الانتظار، فهو وحكومته منخرطون فعلياً في صناعة مستقبل مختلف. نأمل أن يكون خيراً كله وبركة كله.
من ذلك مثلاً حديث ولي العهد لمجلة «تايم» الأميركية، الذي تضمن كثيراً مما يستدعي التوقف والتأمل. وأشير من بينها إلى نقطتين، تشكلان فيما أظن علامة فارقة في صورة السعودية الجديدة. تتعلق الأولى بالفهم الجديد لمضمون الهوية الدينية. وخلاصته أن الصورة التي سادت في السنوات الماضية عن دور الدين في الحياة العامة، لا تعكس حقيقة الدين ولا تمثل مذهباً بعينه. بل هي مسار صممته جماعة محددة، أرادت الهيمنة على مقدرات البلد وتوجيه مساره، كي يخدم أغراضها هي، وليس مصالح البلد وأبنائه. أما في السعودية الجديدة فسيكون دليلنا هو الإسلام السمح، المنفتح والمتفاعل مع العالم الجديد من حوله، من دون تفريط ولا تعصب.
أما النقطة الثانية فتركز على أن السعودية الجديدة وطن لكل أهله: «لدينا في المملكة سنة وشيعة، وفي داخل كل من المذهبين مدارس مختلفة، لكل منها أتباع، وهم يعيشون معاً باعتبارهم سعوديين». يقرر ولي العهد هنا أن الهوية الوطنية السعودية هي المظلة الجامعة لكل السعوديين، وأن اختلافهم في المذهب يندرج في إطار التنوع الذي يغني ثقافة البلد وحياتها، فلا يمكن للمذهب أو الانتماء الاجتماعي أن يشكل خط تمييز أو تفاضل بين سعودي وآخر.
أعتقد أن كلا القولين جدير بأن يرفع شعاراً على كل منبر عام وكل كتاب مدرسي. فهما يلخصان بعض أهم عناصر التحول التي يشهدها المجتمع السعودي، أي التحول من مجتمع منغلق وخائف على هويته، إلى مجتمع منفتح على العالم، معتز بذاته ومتصالح في الوقت نفسه مع التنوع الطبيعي الذي تشتمل عليه هويته الوطنية، الهوية التي تجمع ولا تفرق، الهوية التي تزداد عمقاً وغنى، حين تدمج جميع من يستظل بها، بكل مشاربهم الثقافية وتجاربهم التاريخية وتطلعاتهم.
نحن موعودون - بعون الله - بمستقبل خير مما مضى. ونعلم أن لكل تحول ثمنه. وأرى أن السعوديين جاهزون لدفع هذا الثمن مهما كان باهظاً. كل ما نريده هو أن يعيش أبناؤنا حياة حرة كريمة تليق بهم وتليق بوطنهم، ويبدو أننا نسير في هذا الاتجاه.