سمير عطا الله

 التشريفات، أو البروتوكول، سهلة ومعقدة معاً. فالمفروض أن قوانينها واضحة، وأحكامها متفق عليها، لكن أحياناً قد تؤدي إلى إشكالات، وربما أزمات. أغرب ما قرأت في هذا الشأن هو ما وصفه الدكتور بطرس غالي بأنه «أغرب عشاء رسمي في حياته».

العام 1995 دعت الدنمارك والأمم المتحدة إلى قمة عالمية للتنمية في كوبنهاغن. وأقامت الملكة مرغريتا عشاءً لرؤساء الدول. وقد أجلس إلى يمينها الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، الرئيس الأكبر أقدمية. وقبالته جلس رئيس جيبوتي حسن جوليد، ثم السيدة سوهارتو قرينة الرئيس الإندونيسي، وإلى جانبها سوهارتو نفسه الذي انتخب لأول مرة العام 1968، ثم المستشار الألماني هلموت كول الذي كان في سنته الثالثة عشرة في السلطة، وكان يومها رئيساً للاتحاد الأوروبي أيضاً، ثم زوجة الأمين العام، وإلى جانبها الرئيس الكونغولي سيسي سيكو.
ماذا تتوقع أن يحدث في مثل هذه الحالات؟ كل شيء إلا الذي حدث. فبعد أن اتخذ كل مدعو مقعده، تطلع كاسترو إلى المستشار الألماني هلموت كول، وقال له بازدراء: «وأنت، ما الذي يجعلك تجلس بيننا؟»، فوجئ كول وتلعثم. زعيم دولة مثل كوبا يعترض على المساواة مع زعيم دولة مثل ألمانيا واتحاد مثل أوروبا، ولم يجد ما يقول سوى «لعلها الأقدمية». ولكن كاسترو أجاب: «إنك لم تصبح مستشاراً إلا منذ سنوات قليلة».
تدخل غالي محاولاً إنقاذ الموقف، فمال على أذن الملكة مرغريتا، وقال لها: «الموسيقى يا صاحبة الجلالة».
ارتفع صوت الموسيقى عالياً، فغطى على جميع الأحاديث، لكن ما إن هدأ حتى خاطب كاسترو، كول، قائلاً: «إنك تأكل كثيراً وعليك أن تراقب غذاءك» لم أكن أدرك يا مستر كاسترو أنك تآمرت إلى هذه الدرجة فأصبحت تهتم لأمور الأوزان.
وتساءل كاسترو متكلفاً الابتسام: «هل لك أن تشرح لي سر المعجزة الألمانية؟»، فأجاب الزعيم الألماني «أجل، أجل، إنه العمل ثم العمل، وليس الكلام». ومعروف أن الزعيم الكوبي كان يلقي خطباً تدوم أربعاً إلى ست ساعات.
لم يعرف كول ماذا يفعل. هل يترك العشاء فتتضايق الملكة، أم يبقى ويحتمل مضايقات كاسترو. وعندما احتدم النقاش مرة أخرى مال بطرس على أذن الملكة هامساً: «المزيد من الموسيقى يا صاحبة الجلالة».